مِنْ شَركةِ المالِ هو العَملُ، بدَليلِ أنَّ نَماءَ المالِ واستِحقاقَ الرِّبحِ يَكونُ على العَملِ وأنَّهما لو شرَطا العَملَ على أحَدِهما لَم يَجُزْ، ولو شرَطا المالَ مِنْ عندِ أحَدِهما والعَملَ مِنَ الآخَرِ لَجازَ، ولَكانَ مُضاربةً، وإذا صَحَّ هذا وجَب مَتى اشتَركا في عَملِ البَدنِ أنْ يَصحَّ لِإيقاعِهما العَقدَ على الوَجهِ الذي له يُقصدُ، وهو الأصلُ فيه، ولأنَّ العَملَ نَوعٌ مِنَ الشَّركةِ فصَحَّ أنْ يَكونَ مِنْ جِهةِ أحدِ الشَّريكَيْن ويَستحِقَّ به الرِّبحَ، بدَليلِ المُضاربةِ، وكلُّ ما جازَ أنْ يُستفادَ به الرِّبحُ في حَقِّ أحَدِهما جازَ أنْ يَشترِكا عليه كالمالِ.
ولأنَّ الناسَ يَتعامَلون بهذا النَّوعِ مِنَ الشَّركةِ في سائِرِ الأعصارِ والأمصارِ، مِنْ غَيرِ إنكارٍ عليهم مِنْ أحَدٍ، فصارَ ذلك إجماعًا منهم، ولأنَّها تَشتمِلُ على الوَكالةِ والوَكالةُ جائِزةُ، والمُشتمِلُ على الجائِزِ جائِزٌ.
ولأنَّه نَوعُ شَركةٍ، فوجَب أنْ يَكونَ منها ما يَصحُّ، كشَركةِ الأموالِ.
وهذه الشَّركةُ لَم تُشرَعْ لاستِنماءِ المالِ، بل لِتَحصيلِ أصلِ المالِ، والحاجةُ إلى تَحصيلِ أصلِ المالِ فَوقَ الحاجةِ إلى تَنميتِه، فلَمَّا شُرِعت لِتَحصيلِ الوَصفِ فلَأنْ تُشرَعَ لِتَحصيلِ الأصلِ أوْلَى.
ولأنَّ عَملَ البَدنِ أصلًا قد يُستفادُ به المالُ إذا انفَردَ، والمالُ فَرعٌ عليه لا يُستفادُ به النَّماءُ إلا مع العَملِ، فلَمَّا صَحَّت الشَّركةُ في الأموالِ فأوْلَى أنْ تَصحَّ في أعمالِ الأبدانِ، ولأنَّ العامِلَ في القِراضِ شَريكٌ ببَدنِه في مالٍ غَيرِ مُماثِلٍ لِعَملِه، فكانت الشَّركةُ في أعمالِ الأبدانِ المُماثِلةِ أوْلَى.
ولأنَّ كَثيرًا مِنْ مَصالِحِ المُسلِمينَ لا يَنتظِمُ بدونِها، كالصُّنَّاعِ المُشتَركينَ