للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَتحرَّرُ مِنَ اعتِلالِ هذا الاستِدلالِ قياسانِ، أحَدُهما: هو أنَّ وُقوعَ الجَهالةِ بحِصَّةِ كلٍّ منهما يَمنعُ مِنْ صِحَّةِ الشَّركةِ، كما لو خلَطا مالَيْن لا يَعرِفانِ قَدْرَهما.

والآخَرُ: هو أنَّها مُعاوضةٌ لو كانت في الأموالِ بطَلت بالجَهالةِ، فوجَب إذا كانت في الأعمالِ أنْ تَبطُلَ بالجَهالةِ، أصلُه إذا قال قد استأجَرتُك لِتَبنيَ لي على ألَّا أُبضِعَ لكَ.

فإذا فعَلا ذلك واكتَسبا، نُظِر إنِ انفَردا فلكلٍّ كَسبُه، وإلا يُقسَّمِ الحاصِلُ على قَدْرِ أُجرةِ المِثلِ لا بحَسَبِ الشَّرطِ (١).


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٤٧٩)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٤٧٧)، و «البيان» (٦/ ٣٧١، ٣٧٢)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٨٣)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٨)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٩٢)، و «الإفصاح» (١/ ٤٤٧)، وسُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمِيَّةَ عمَّن وَلي أمرًا من أمورِ المُسلمينَ ومَذهبُه لا يُجوِّزُ شَركةَ الأبدَانِ فهل يَجوزُ له مَنعُ النَّاسِ؟
فأجاب: ليسَ له منعُ الناسِ من مثلِ ذلك، ولا مِنْ نَظائِرِه ممَّا يسوغُ فيه الاجتِهادُ، وليسَ معه بالمَنعِ نصٌّ من كِتابٍ ولا سُنةٍ ولا إِجماعٍ، ولا ما هو في مَعنى ذلك، لا سيَّما وأكثرُ العُلماءِ على جَوازِ مثلِ ذلك، وهو ممَّا عمِل به عامَّةُ المُسلمينَ في عامَّةِ الأمْصارِ.
وهذا كما أنَّ الحاكمَ ليسَ له أن ينقُضَ حُكمَ غيرِه في مثلِ هذه المَسائلِ، ولا لِلعالِم والمُفتي أن يُلزِمَ النَّاسَ باتِّباعِه في مثلِ هذه المَسائلِ.
ولهذا لمَّا استَشارَ الرَّشيدُ مالكًا أن يحمِلَ النَّاسَ على مُوطَّئِه في مثلِ هذه المَسائِل منَعه من ذلك، وقال: إن أَصحابَ رسولِ الله تفرَّقوا في الأَمصارِ، وقد أخَذ كلُّ قومٍ من العِلمِ ما بلَغهُم.
وصنَّف رَجلٌ كِتابًا في الاختِلافِ، فقال أحمدُ: لا تُسمِّه «كتاب الاختلاف» ولكن سمِّه «كتاب السنة». =

<<  <  ج: ص:  >  >>