للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِعُمومِ قَولِ النَّبيِّ : «الصُّلحُ جائِزٌ بينَ المُسلِمينَ، إلا صُلحًا حَرَّمَ حَلالًا أو أحَلَّ حَرامًا» (١).

وَعَنْ سَيِّدِنَا عُمرَ أنَّه قَالَ: «رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمُ الضَّغَائِنَ» (٢).

أمَرَ برَدِّ الخُصومِ إلى الصُّلحِ مُطلَقًا، وكان ذلك بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ الكِرامِ ، ولَم يُنكِرْ عليه أحَدٌ، فيَكونُ إجماعًا مِنَ الصَّحابةِ، ويَكونُ حُجَّةً قاطِعةً؛ ولأنَّ الصُّلحَ شُرِعَ لِلحاجةِ إلى قَطعِ الخُصومةِ والمُنازَعةِ، والحاجةُ إلى قَطعِها في التَّحقيقِ عندَ الإنكارِ؛ إذِ الإقرارُ مُسالَمةٌ ومُساعَدةٌ، فكان أوْلَى بالجَوازِ.

ولأنَّ الحَقَّ ثابِتٌ في زَعمِ المُدَّعِي، وحَقَّ الخُصومةِ واليَمينِ ثابِتانِ له شَرعًا، فكان هذا صُلحًا عن حَقٍّ ثابِتٍ، فكان مَشروعًا.

ولأنَّ فيه إطفاءَ النائِرةِ بينَ الناسِ ورَفعَ المُنازَعاتِ المُوبِقاتِ عنهم، وهي ضِدُّ المُصالَحةِ، وهي مَنهيٌّ عنها بقَولِ اللهِ : ﴿وَلَا تَنَازَعُوا﴾ [الأنفال: ٤٦]، وفي تَركِ الصُّلحِ ذلك؛ لأنَّ طلَب جَميعِ ما يَستحِقُّه رُبَّما يُؤدِّي إلى الإنكارِ، لا سيَّما عندَ الإعسارِ، وفيه فَسادٌ عَظيمٌ بعدَ الإنكارِ، فإنَّ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٩٤)، والترمذي (١٣٥٢)، وابن الجارود (٦٣٧ و ٦٣٨)، وابن ماجه (٢٣٥٣)، وابن حبان (١١٩٩)، والدارقطني (٣/ ٤٢٦)، والحاكم (٢/ ٤٩)، والبيهقي (٦/ ٩٧).
(٢) رواه عبد الرزاق في «المصنف» (١٥٣٠٤)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٣٣٤٩) مُنقطعٌ وضعَّفه ابنُ حَزمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>