ولو أُقيمَتْ عليه بَيِّنةٌ بعدَ الإنكارِ جازَ الصُّلحُ؛ لأنَّ لُزومَ الحَقِّ بالبَيِّنةِ كلُزومِه بالإقرارِ، ولو أقَرَّ ثم أنكَرَ جازَ الصُّلحُ.
وإذا تَصالَحا ثم اختَلَفا في أنَّهما تَصالَحا على إقرارٍ أو إنكارٍ فالقَولُ قَولُ مُدَّعي الإنكارِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّه لا عَقدَ.
ويُستَثنى مِنْ بُطلانِ الصُّلحِ على الإنكارِ مَسائِلُ:
منها: اصطِلاحُ الوَرَثةِ فيما وَقَفَ بَينَهم إذا لَم يَبذُلْ أحَدٌ عِوَضًا مِنْ خالِصِ مِلكِه.
ومنها: إذا أسلَمَ على أكثَرَ مِنْ أربَعِ نِسوةٍ وماتَ قبلَ الاختيارِ أو طَلَّقَ إحدى زَوجَتَيْه وماتَ قبلَ البَيانِ أو التَّعيينِ ووُقِفَ المِيراثُ بَينَهما فاصطَلَحتا.
ومنها: لو تَداعَيا وَديعةً عندَ رَجُلٍ فقال: لا أعلَمُ لِأيِّكما هي، أو دارًا في يَدَيْهما، فأقامَ كلٌّ بَيِّنةً ثم اصطَلَحا (١).
وذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الصُّلحِ صَحيحٌ؛ لِظَاهِرِ قَولِ اللهِ ﷾: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨]، وَصَفَ اللهُ ﷾ وَعَزَّ شأنُه جِنسَ الصُّلحِ بالخَيريَّةِ، ومَعلومٌ أنَّ الباطِلَ لا يُوصَفُ بالخَيريَّةِ، فكان كلُّ صُلحٍ مَشروعًا بظاهِرِ هذا النَّصِّ، إلا ما خُصَّ بدَليلٍ.
(١) يُنظر: «الأم» (٧/ ١١٢)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٣٦٩، ٣٧١)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٣٩٩، ٤٠٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٣٠، ١٣١)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٤٤٤، ٤٤٦)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٤٣٩، ٤٤٠)، و «الديباج» (٢/ ٢٥٥)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٧٧٥، ٧٧٦)، و «الإنصاف» (٥/ ٢٤٣).