ولِما رُويَ عن ابنِ عَبَّاسٍ ﵄ قال: لمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ جَاءَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ بِإِخْرَاجِهِمْ وَلَهُمْ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَم تَحِلَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» (١).
وهذا ضِدُّ الرِّبا؛ فإنَّ ذلك يَتضمَّنُ الزِّيادةَ في الأجِل والدَّينِ، وذلك إضرارٌ مَحضٌ بالغَريمِ، ومَسألَتُنا تَتضَمَّنُ بَراءةَ ذِمَّةِ الغَريمِ مِنَ الدَّينِ وانتِفاعَ صاحِبِه بما يَتعجَّلُه، فكِلاهما حَصَل له الانتِفاعُ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ، بخِلافِ الرِّبا المُجمَعِ عليه؛ فإنَّ ضَرَره لَاحِقٌ بالمَدينِ ونَفعَه مُختَصٌّ برَبِّ الدَّينِ، فهذا ضِدُّ الرِّبا صُورةً ومَعنًى.
ولأن مُقابَلةَ الأجَلِ بالزِّيادةِ في الرِّبا ذَريعةٌ إلى أعظَمِ الضَّرَرِ، وهو أنْ يَصيرَ الدِّرهَمُ الواحِدُ أُلوفًا مُؤلَّفةً فتَشتَغِلَ الذِّمَّةُ بغَيرِ فائِدةٍ، وفي الوَضعِ والتَّعجيلِ تَتخَلَّصُ ذِمَّةُ هذا مِنَ الدَّينِ، ويَنتَفِعُ ذاك بالتَّعجيلِ له.
والشارِعُ له تَطلُّعٌ إلى بَراءةِ الذِّمَمِ مِنَ الدُّيونِ، وسُمِّيَ الغَريمُ المَدينُ:
(١) رواه الحاكم في «المستدرك» (٢٣٢٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٢٧٧)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٤٦٧)، والدارقطني (٣٠٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute