أسيرًا، ففي بَراءةِ ذِمَّتِه تَخليصٌ له مِنَ الأسْرِ، وهذا ضِدُّ شَغلِها بالزِّيادةِ مع الصَّبرِ.
إلا أنَّني وَجَدتُ الإمامَ تَقيَّ الدِّينِ السُّبكيَّ الشافِعَّي في فَتاويه يُفصِّلُ مَذهبَ الشافِعيِّ ويَقولُ: مَسألةُ «ضَعْ وتَعَجَّلْ» ومَعناها: أنْ يَكونَ لِرَجُلٍ على آخَرَ دَينٌ مُؤجَّلٌ، فيَقولَ المَدينُ لِصاحِبِ الدَّينِ:«ضَعْ بَعضَ دَينِكَ وتَعَجَّلِ البَقيَّةَ»، أو يَقولَ صاحِبُ الدَّينِ لِلمَدينِ: «عَجِّلْ لي بَعضَه وأضَعُ عَنْكَ بقيَّتَه، وذلك إمَّا أنْ يَكونَ في دَينِ الكِتابةِ، وإمَّا فيما سِواه مِنَ الدُّيونِ، فإنْ كان فيما سِوى دَينِ الكِتابةِ مِنَ الدُّيونِ قال مالِكٌ ﵀: هو باطِلٌ مُطلَقًا، سَواءٌ جَرى بشَرطٍ أو بغَيرِ شَرطٍ لِلتُّهمةِ، وذلك قاعِدةُ مَذهبِه.
وقال غَيرُه: إنْ جَرَى شَرطٌ بطَل، وإنْ لَم يُشتَرِطْ، بل عَجَّلَ بغَيرِ شَرطٍ وأبَرَأ الآخَرَ وطابَتْ بذلك نَفْسُ كلٍّ منهما فهو جائِزٌ، وهذا مَذهبُنا، والشَّرطُ المُبطِلُ هو المُقارِنُ، فلو تَقدَّم لَم يُبطِلْ، صرَّح به الجُوريُّ هنا، وهو مُقتَضى تَصريحِ جَميعِ الأصحابِ في غيرِ هذا المَوضِعِ، وقد رُوِيتْ آثارٌ في الإباحةِ والتَّحريمِ يُمكِنُ تَنزيلُها على ما ذَكَرناه مِنَ التَّفصيلِ، ثم ذَكَرَ الآثارَ السابِقةَ التي ذَكَرتُها مِنْ قَبلُ.
ثم قال: وأصحابُنا يَحمِلونَ اختِلافَ الآثارِ في ذلك على ما ذَكَرناه مِنَ التَّفصيلِ، وبَوَّبَ البَيهَقيُّ بابَ مَنْ عَجَّلَ له أدْنى مِنْ حَقِّه قبلَ مَحِلِّه فوَضَعَ عنه طَيِّبةً به أنْفُسُهما.