للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ القيِّمِ : فلَولا أنَّ عندَ أُمِّ المُؤمِنينَ عِلمًا لا تَستَريبُ فيه أنَّ هذا مُحرَّمٌ لَم تَستَجِزْ أنْ تَقولَ مثلَ هذا بالِاجتِهادِ، ولا سيَّما إنْ كانَتْ قد قَصَدتْ أنَّ العَمَلَ يُحبَطُ بالرِّدَّةِ، وأنَّ استِحلالَ الرِّبا أكفَرُ، وهذا مِنه، ولكنَّ زَيدًا مَعذورٌ؛ لأنَّه لَم يَعلَم أنَّ هذا مُحرَّمٌ، ولِهَذا قالَتْ : أبلِغيه.

ويُحتمَلُ أنْ تَكونَ قد قَصَدتْ أنَّ هذا مِنْ الكَبائِرِ التي يُقاوِمُ إثمُها ثَوابَ الجِهادِ، فيَصيرُ بمَنزِلةِ مَنْ عَمِلَ حَسَنةً وسَيِّئةً بقَدْرِها، فكَأنَّه لَم يَعمَلْ شَيئًا.

وعلى التَّقديرَيْنِ: جَزمُ أُمِّ المُؤمِنينَ بهذا دَليلٌ على أنَّه لا يَسوغُ فيه الِاجتِهادُ، ولو كانَتْ هذه مِنْ مَسائِلِ الِاجتِهادِ والنِّزاعِ بينَ الصَّحابةِ لَم تُطلِقْ عائِشةُ ذلك على زَيدٍ؛ فإنَّ الحَسَناتِ لا تُبطَلُ بمَسائِلِ الِاجتِهادِ (١).

وقالَ ابنُ بطَّالٍ : وأُمُّنا عائِشةُ لَم تَقُلْ لَها: إنَّه أبطَلَ صَلاتَه ولا صيامَه ولا حَجَّه؛ فمَعنَى ذلك أنَّ مَنْ جاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ فقد حارَبَ عنِ اللَّهِ ، ومَن فعَل ذلك ثم استَباحَ الرِّبا؛ فقد استَحقَّ مُحارَبةَ اللَّه ، ومَن أربَى فقد أبطَلَ حَربَه عنِ اللَّهِ ؛ فكانَتْ عُقوبَتُه مِنْ جِنسِ ذَنبِه (٢).

وقالَ الكاسانيُّ : ووَجْهُ الِاستِدلالِ به -أي: بحَديثِ عائِشةَ- مِنْ وَجهَيْنِ:


(١) «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٩/ ٢٤٦).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٦/ ٢١٩، ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>