للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما: أنَّها ألحَقَتْ بزَيدٍ وَعيدًا لا يُوقَفُ عليه بالرَّأْيِ، وهو بُطلانُ الطَّاعةِ بما سِوَى الرِّدَّةِ؛ فالظَّاهِرُ أنَّها قالَتْه سَماعًا مِنْ رَسولِ اللَّهِ ، ولا يَلتحِقُ الوَعيدُ إلَّا بمُباشَرةِ المَعصيةِ، فدَلَّ على فَسادِ البَيعِ؛ لأنَّ البَيعَ الفاسِدَ مَعصيةٌ.

والآخَرُ: أنَّها سَمَّتْ ذلك بَيعَ سُوءٍ وشِراءَ سُوءٍ، والفاسِدُ هو الذي يُوصَفُ بذلك، لا الصَّحيحُ، ولأنَّ في هذا البَيعِ شُبهةَ الرِّبا؛ لأنَّ الثَّمنَ الثَّانيَ يَصيرُ قِصاصًا بالثَّمنِ الأوَّلِ، فبَقيَ مِنْ الثَّمنِ الأوَّلِ زِيادةٌ لا يُقابِلُها عِوَضٌ في عَقدِ المُعاوَضةِ، وهو تَفسيرُ الرِّبا، إلَّا أنَّ الزِّيادةَ ثَبَتتْ بمَجموعِ العَقدَيْنِ، فكانَ الثَّابِتُ بأحَدِهما شُبهةُ الرِّبا، والشُّبهةُ في هذا البابِ مُلحَقةٌ بالحَقيقةِ (١).

وممَّا يَدلُّ على تَحريمِ العِينةِ أيضًا حَديثُ ابنِ مَسعودٍ يَرفَعُه: «لعَن اللَّهُ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيْه وكاتِبَه والمُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له» (٢).

ومَعلومٌ أنَّ الشاهِدَيْنِ يَشهَدانِ والكاتِبَ إنَّما يَكتُبُ على عَقدٍ صُورَتُه جائِزةُ الكِتابةِ والشَّهادةِ، لا يَشهَدانِ بمُجرَّدِ الرِّبا ولا يَكتُبُه، ولِهَذا قَرَنَه بالمُحَلِّلِ والمُحَلَّلِ له، حيثُ أظهَرا صُورةَ النِّكاحِ، ولا نِكاحَ، كما أظهَرَ الكاتِبُ والشاهِدانِ صُورةَ البَيعِ، ولا بَيعَ.

وتَأمَّلْ كيفَ لعَن في الحَديثِ الشاهِدَيْنِ والكاتِبَ والآكِلَ


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ١٩٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه النسائي (٣٤١٦)، والبيهقي في «الكبرى» (٥٦٠٩)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٩٨٧٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>