للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الثاني: ذهَبَ الحَنفيةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّهما واجِبتانِ في الطَّهارةِ الكُبرى الغُسلِ، وسُنةٌ في الصُّغرى، الوُضوءِ؛ لأنَّ الواجِبَ في بابِ الوُضوءِ غَسلُ الأَعضاءِ الثَّلاثةِ ومَسحُ الرأسِ، فداخِلُ الأنفِ والفمِ ليسَا من جُملتِها، أمَّا ما سِوى الوَجهِ فظاهِرٌ، وكذا الوَجهُ؛ لأنَّه اسمٌ لمَا يُواجهُ به الإِنسانُ عادةً، والفَمُ لا يُواجَهُ به بكلِّ حالٍ؛ فلا يَجبُ غَسلُه.

ولأنَّ الكُبرى يَجبُ فيها غَسلُ كلِّ ما أمكَنَ من البَدنِ كبَواطنِ الشُّعورِ الكَثيفةِ ولا يُمسحُ فيها على الحَوائِلِ فوَجَبا فيها بخِلافِ الصُّغرى.

ولأنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] أي: طَهِّروا أبدانَكم، فيَجبُ غَسلُ ما يُمكنُ غَسلُه من غيرِ حَرجٍ ظاهِرًا كانَ أو باطِنًا (١).

القَولُ الثالِثُ: ذهَبَ الحَنابِلةُ في المَشهورِ عنهم إلى أنَّ المَضمَضةَ والاستِنشاقَ واجِبَتانِ في الطَّهارَتَينِ الصُّغرَى والكُبرَى، أي: الغُسلِ والوُضوءِ؛ لمَا رَوَت عائِشةُ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: «المَضمَضةُ والاستِنشاقُ مِنْ الوُضوءِ الذي لا بدَّ مِنه» (٢).


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٣٤٠)، و «بدائع الصنائع» (١/ ٨٩)، و «مراقي الفلاح» (٣٢)، و «عمدة القاري» (٣/ ١٨)، و «المغني» (١/ ١٤٣)، و «الإنصاف» (١/ ١٥٢)، و «الإفصاح» (١/ ٦٤)، و «البحر الرائق» (١/ ٤٨).
(٢) رواه الدارقطني (١/ ٨٤)، وصوَّبَ إرسالَه ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٥٢)، وابن الجوزي في «التحقيق» (١/ ١٤٤)، وفي «العلل المتناهية» (١/ ٣٣٧، ٣٣٨)، وقالَ الدارَقُطنيُّ: تَفرَّدَ به عاصِمٌ، أي: ابنُ يُوسفَ المبارَكُ، ووهِمَ فيه والصَّوابُ عن ابنِ جُرَيجٍ عن سُليمانَ بنِ مُوسى مُرسلًا، وأحسَبُ عاصِمًا حَدَّث به من حِفظِه فاختلَطَ عليه. ثم رَواه مُرسَلًا وقالَ: والمُرسلُ أصَحُّ، هكذا رَواه السُّفيانانِ وغيرُهما. «نصب الراية» (١/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>