للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الأولُ: ذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ المَضمَضةَ والاستِنشاقَ سُنةٌ في الوُضوءِ والغُسلِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦].

فالوَجهُ عندَ العَربِ: ما حصَلَت به المُواجهةُ، وداخِلُ الفَمِ والأنفِ ليسَ من الوَجهِ.

وذِكرُهما من الفِطرةِ يَدلُّ على مُخالفتِهما لسائِرِ الوُضوءِ.

ولقَولِه للأَعرابيِّ: «تَوضَّأْ كما أمَرَك اللهُ» (١).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : هذا الحَديثُ من أحسَنِ الأدِلةِ؛ لأنَّ هذا الأعرابيَّ صلَّى ثَلاثَ مَرَّاتٍ فلم يُحسِنْها، فعلِمَ النَّبيُّ حينَئذٍ أنَّه لا يَعرفُ الصَّلاةَ التي تُفعلُ بحَضرةِ الناسِ وتُشاهَدُ أَعمالُها، فعلَّمَه واجِباتِها وواجِباتِ الوُضوءِ، فقالَ النَّبيُّ : «تَوضَّأْ كما أمَرَك اللهُ»، ولم يَذكُرْ له سُننَ الصَّلاةِ والوُضوءِ لئلَّا يُكثِرَ عليه فلا يَضبطَها، فلو كانَت المَضمَضةُ واجِبةً لعلَّمَه إياها؛ فإنَّه ممَّا يَخفى، لا سيما في حَقِّ هذا الرَّجلِ الذي خَفيَت عليه الصَّلاةُ التي تُشاهَدُ فكيفَ بالوُضوءِ الذي يَخفَى؟ (٢)


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٨٦١)، والترمذي (٣٠٣)، والنسائي في «الكبرى» (١٦٣١).
(٢) «المجموع» (٢/ ٣٨١، ٣٨٦)، و «شرح صحيح مسلم» (٣/ ٨٧)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ٩٧)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٢٣)، و «المغني» (١/ ١٤٣)، و «الإنصاف» (١/ ١٥٣)، و «تفسير ابن كثير» (٣/ ٣٦)، و «الإفصاح» (١/ ٦٤)، و «فتح الباري» (١/ ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>