والقَولُ الثَّاني وهو قَولُ الحَنفيَّةِ وأحمدَ في الرِّوايةِ الأُخرَى أنَّ ذلك جائِزٌ.
قالَ الحَنفيَّةُ: ولا بَأْسَ بكُرِّ حِنطةٍ وكُرِّ شَعيرٍ بثَلاثةِ أكرارِ حِنطةٍ وكُرِّ شَعيرٍ يَدًا بيَدٍ، فتَكونُ حِنطةُ هذا بشَعيرٍ هذا، وشَعيرُ هذا بحِنطةِ هذا، وكذلك لو باعَ مُدَّ عَجوةٍ وزَبيبٍ بمُدَّيْ عَجوةٍ وزَبيبٍ، أو باعَ دِينارًا ودِرهَمًا بدِرهَمَيْنِ ودِينارَيْنِ.
وكذا إذا باعَ دِرهَمًا جَيِّدًا ودِرهَمًا زَائفًا بدِرهَمَيْنِ جَيِّدَيْنِ يَجوزُ، وكذلك لو باعَ دِينارًا نَيْسابوريًّا أو دِينارًا هَرويًّا بدِينارَيْنِ نَيسابوريِّيْنِ أو هَرويِّيْنِ، وهذا بِناءً على الأصلِ أنَّه لا قِيمةَ لِلجَودةِ في الأموالِ الرِّبَويَّةِ عندَ المُقابَلةِ بجِنسِها، فالمُقابَلةُ باعتِبارِ الأجزاءِ، ويَجوزُ العَقدُ لِوُجودِ المُساواةِ في الوَزنِ عَمَلًا بقَولِه ﷺ: «الذَّهبُ بالذَّهبِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ مِثْلًا بمِثْلٍ، يَدًا بيَدٍ»، وبِقَولِه ﷺ: «جَيِّدُها ورَديئُها سَواءٌ».
ولأنَّ العَقدَ اشتَمَلَ هُنا على نَوعَينِ مُختلِفَيْنِ، فيَنبَغي أنْ يَجوزَ العَقدُ كَيفَ شاءَ المُتعاقِدانِ، والمَعنَى فيه أنَّ تَحصيلَ مَقصودِ المُتعاقدَيْنِ مُمكِنٌ بطَريقٍ شَرعيٍّ، وهو صَرفُ الجِنسِ إلى خِلافِ الجِنسِ، فيَجِبُ المَصيرُ إليه، ويُجعَلُ ذلك كالمُصَرَّحِ به، وهذا لأنَّ الانقِسامَ في سائِرِ المُعاوَضاتِ باعتِبارِ القِيمةِ ليسَ بمُقتَضى العَقدِ، بَلْ لِلمُعاوَضةِ والمُساواةِ؛ إذْ ليسَ صَرْفُ بَعضٍ أوْلَى مِنْ بَعضٍ، فيَصيرُ الانقِسامُ والتَّوزيعُ باعتِبارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute