للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمِثْلٍ بسَبَبِ الكَيلِ أو الوَزنِ مع الجِنسِ، والَّذي يَدلُّ عليه ما رَواه سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ وعَن أبي هُريرةَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ استَعمَلَ رَجُلًا على خَيبَرَ، فجاءَه بتَمرٍ جَنيبٍ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «أكُلُّ تَمرِ خَيبَرَ هَكَذا؟»، قالَ: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلاثةِ. فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «لا تَفعَلْ بِعِ الجَمعَ بالدَّراهِمِ ثم ابتَعْ بالدَّراهِمِ جَنيبًا»، وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلك (١)، أي: في المَوزونِ، إذ المِيزانُ نَفْسُه ليسَ مِنْ أموالِ الرِّبا، وهو أقوَى حُجَّةً في عِلِّيَّةِ القَدْرِ، وهو بعُمومِه يَتَناوَلُ المَوزونَ كُلَّه، الثَّمنَ والمَطعومَ وغيرَهما، فيَكونُ حُجَّةً؛ لأنَّه اشتَرطَ في الجِنسِ المُماثَلةَ، وهي لا تَتحقَّقُ إلَّا بالكَيلِ أو الوَزنِ، ثم قاسَ عليه المِيزانَ.

فتَبيَّن بهذه الآثارِ قِيامُ الدَّليلِ على تَعْديةِ الحُكمِ مِنْ الأشياءِ السِّتَّةِ لِغيرِها.

القَولُ الثَّاني: وهو قَولُ الشافِعيَّةِ في المَذهبِ وأحمدَ في رِوايةٍ قالوا: عِلَّةُ الرِّبا في هذه الأصنافِ الأربَعةِ هي الطَّعامُ، وإنْ لَم يَكُنْ مَكيلًا أو مَوزونًا؛ لقولِه : «الطَّعامُ بالطَّعامِ مِثْلًا بمِثْلٍ» (٢)، والطَّعامُ اسمٌ لِكُلِّ ما يُطعَمُ به، والدَّليلُ عليه قَولُه تَعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٥]، وأرادَ به الذَّبائِحَ، وقالَتْ عائِشةُ : «مَكَثْنا مع نَبيِّنا سَنةً ما لَنا طَعامٌ إلَّا الأسوَدانِ: الماءُ والتَّمرُ»، والحُكمُ إذا عُلِّقَ على اسمٍ مُشتَقٍّ كانَ ذلك عِلَّةً فيه، كالقَطعِ في السَّرِقةِ، والحَدِّ في الزِّنا،


(١) رواه البخاري (٢٢٠٢)، ومسلم (١٥٩٣).
(٢) رواه مسلم (١٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>