للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: إنِّي صائِمةٌ، فقال لها: أصُمتِ أمسِ، قالت: لا، قال: كُلي؛ فإنَّ صيامَ يَومِ السَّبتِ لا لكِ ولا عَلَيكِ»، وهذا -وإنْ كان إسنادُه ضَعيفْا- يدُلُّ عليه سائِرُ الأحاديثِ، وعلى هذا يَكونُ قَولُه : «لا تَصوموا يَومَ السَّبتِ»، أي: لا تَقصِدوا صيامَه بعَينِه إلا في الفَرضِ؛ فإنَّ الرَّجلَ يَقصِدُ صَومَه بعَينِه بحيث لو لم يَجِبْ عليه إلا صَومُ يَومِ السَّبتِ كمَن أسلَم ولم يَبقَ من الشَّهرِ إلا يَومُ السَّبتِ؛ فإنَّه يَصومُه وَحدَه.

وأيضًا فقَصدُه بعَينِه في الفَرضِ لا يُكرَهُ بخِلافِ قَصدِه بعَينِه في النَّفلِ؛ فإنَّه يُكرَهُ ولا تَزولُ الكَراهةُ إلا بضَمِّ غَيرِه إليه أو مُوافَقتِه عادةً فالمُزيلُ لِلكَراهةِ في الفَرضِ مُجرَّدُ كَونِه فَرضًا لا لِلمُقارَنةِ بينَه وبينَ غَيرِه، وأمَّا في النَّفلِ فالمُزيلُ لِلكَراهةِ ضَمُّ غَيرِه إليه أو مُوافَقتُه عادةً، ونَحوُ ذلك.

قد يُقالُ: الاستِثناءُ أخرَج بَعضَ صُورِ الرُّخصةِ وأخرَج الباقيَ بالدَّليلِ ثم اختَلفَ هؤلاء في تَعليلِ الكَراهةِ.

فعَلَّلها ابنُ عَقيلٍ بأنَّه يَومٌ تُمسِكُ فيه اليَهودُ ويَخصُّونَه بالإمساكِ، وهو تَركُ العَملِ فيه، والصائِمُ في مَظنَّةِ تَركِ العَملِ فيَصيرُ صَومُه تَشبُّهًا بهم، وهذه العِلَّةُ مُنتفيةٌ في الأحَدِ.

وعَلَّله طائِفةٌ من الأصحابِ بأنَّه يَومُ عِيدٍ لِأهلِ الكِتابِ يُعظِّمونَه فقَصَده بالصَّومِ دونَ غَيرِه يَكونُ تَعظيمًا له فكَرِه ذلك، كما كَرِه إفرادَ عاشوراءَ بالتَّعظيمِ لِما عَظَّمه أهلُ الكِتابِ وإفرادُ رَجَبٍ أيضًا لِما عَظَّمه المُشرِكون.

<<  <  ج: ص:  >  >>