الوَجهُ الرابِعُ: أنَّ القياسَ إنَّما يَصحُّ إذا لم يَدُلَّ كَلامُ الشارِعِ على عِلَّةِ الحُكمِ إذا سَبَرْنا أوصافَ الأصلِ، فلم يَكُنْ فيها ما يَصلُحُ لِلعِلَّةِ إلا الوَصفَ المُعيَّنَ وحيث أثبَتْنا عِلَّةَ الأصلِ بالمُناسَبةِ أو الدَّورانِ أو الشَّبهِ المُطَّرِدِ عندَ مَنْ يَقولُ به فلا بُدَّ من السَّبرِ، فإذا كان في الأصلِ وَصفان مُناسِبان لم يَجُزْ أنْ يَقولَ الحُكمُ بهذا دونَ هذا. ومَعلومٌ أنَّ النَّصَّ والإجماعَ أثبَتا الفِطرَ بالأكلِ والشُّربِ والجِماعِ والحَيضِ، والنَّبيُّ ﷺ قد نَهى المُتوضِّئَ عن المُبالَغةِ في الاستِنشاقِ إذا كان صائِمًا، وقياسُهم على الاستِنشاقِ أقوى حُجَجِهم كما تَقدَّم، وهو قياسٌ ضَعيفٌ، وذلك لأنَّ مَنْ نشَق الماءَ بمَنخَرَيْه يَنْزِلُ الماءُ إلى حَلقِه وإلى جَوفِه فحصَل له بذلك ما يَحصُلُ لِلشارِبِ بفَمِه ويُغذَّى بَدَنُه من ذلك الماءِ ويَزولُ العَطشُ ويُطبَخُ الطَّعامُ في مَعِدتِه كما يَحصُلُ بشُربِ الماءِ، فلو لم يَرِدِ النَّصُّ بذلك لَعُلِم بالعَقلِ أنَّ هذا مِنْ جِنسِ الشُّربِ فإنَّهما لا يَفترِقان إلا في دُخولِ الماءِ من الفَمِ، وذلك غَيرُ مُعتَبَرٍ، بل دُخولُ الماءِ إلى الفَمِ وَحدَه لا يُفطِرُ، فليس هو مُفطِرًا ولا جُزءًا من المُفطِرِ لِعَدمِ تأثيرِه، بل هو طَريقٌ إلى الفِطرِ وليس كذلك الكُحلُ والحُقنةُ ومُداواةُ الجائِفةِ والمَأمومةِ. فإنَّ الكُحلَ لا يُغذِّي ألبَتَّةَ ولا يُدخِلُ أحَدٌ كُحلًا إلى جَوفِه=