للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


لا مِنْ أنفِه ولا فَمِه وكذلك الحُقنةُ لا تُغذِّي بل تَستفرِغُ ما في البَدنِ كما لو شَمَّ شَيئًا من المُسهِّلاتِ أو فزِع فَزعًا أوجَبَ استِطلاقَ جَوفِه، وهي لا تَصِلُ إلى المَعِدةِ، والدَّواءُ الذي يَصِلُ إلى المَعِدةِ في مُداواةِ الجائِفةِ والمَأمومةِ لا يُشبِهُ ما يَصِلُ إليها مِنْ غِذائِه واللهُ سُبحانَه قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، وقالَ : «الصَّومُ جُنَّةٌ»، وقال: «إنَّ الشَّيطانَ يَجري من ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ، فضَيِّقوا مَجاريه بالجُوعِ بالصَّومِ». فالصائِمُ نُهِي عن الأكلِ والشُّربِ لأنَّ ذلك سَببُ التَّقوى. فتَركُ الأكلِ والشُّربِ الذي يُولِّدُ الدَّمَ الكَثيرَ الذي يَجري فيه الشَّيطانُ إنَّما يَتولَّدُ من الغِذاءِ لا عن حُقنةٍ ولا كُحلٍ ولا ما يُقطَّرُ في الذَّكرِ ولا ما يُداوَى به المَأمومةُ والجائِفةُ، وهو مُتولَّدٌ مما استُنشِق من الماءِ؛ لأنَّ الماءَ ممَّا يَتولَّدُ منه الدَّمُ، فكان المَنعُ منه من تَمامِ الصَّومِ. فإذا كانت هذه المَعاني وغَيرُها مَوجودةً في الأصلِ الثابِتِ بالنَّصِّ والإجماعِ فدَعواهم أنَّ الشارعَ عَلَّق الحُكمَ بما ذَكَروه من الأوصافِ، مُعارَضةٌ بهذه الأوصافِ، والمُعارَضةُ تُبطِلُ كلَّ نَوعٍ من الأقيِسةِ إنْ لم يَتبيَّنُ أنَّ الوَصفَ الذي ادَّعَوْه هو العِلَّةُ دونَ هذا. الوَجهُ الخامِسُ: أنَّه ثبَت بالنَّصِّ والإجماعِ مَنعُ الصائِمِ من الأكلِ والشُّربِ والجِماعِ، وقد ثبَت عن النَّبيِّ أنَّه قال: «إنَّ الشَّيطانَ يَجري منَ ابنِ آدَمَ مَجرى الدَّمِ»، ولا رَيبَ أنَّ الدَّمَ يَتولَّدُ من الطَّعامِ والشَّرابِ، وإذا أكلَ أو شَرِب اتَّسعَت مَجاري الشَّياطينِ؛ ولِهذا قال: «فضَيِّقوا مَجاريه بالجُوعِ»، وبَعضُهم يَذكُرُ هذا اللَّفظَ مَرفوعًا. ولِهذا قال النَّبيُّ : «إذا دخَل رَمضانُ فُتِّحت أبوابُ الجَنَّةِ وغُلِّقت أبوابُ النارِ وصُفِّدت الشَّياطينُ»؛ فإنَّ مَجاريَ الشياطين الذي هو الدَّمُ ضاقَت، وإذا ضاقَت انبَعَثت القُلوبُ إلى فِعلِ الخَيراتِ التي بها تَفتَّحُ أبوابُ الجَنَّةِ، وإلى تَركِ المُنكَراتِ التي بها تُفتَحُ أبوابُ النارِ، وصُفِّدت الشَّياطينُ فضَعُفت قُوَّتُهم وعَملُهم بتَصفيدِهم فلم يَستطيعوا أنْ يَفعَلوا في شَهرِ رَمضانَ ما كانوا يَفعَلونه في غَيرِه، ولم يَقُلْ: إنَّهم قُتِلوا ولا ماتوا، بل قال: «صُفِّدت»، والمُصفَّدُ من الشَّياطينِ قد يُؤذي لكنَّ هذا أقَلُّ وأضعَفُ مما يَكونُ في غَيرِ رَمضانَ، فهو بحَسَبِ كَمالِ الصَّومِ ونَقصِه فمَن كان صَومُه كامِلًا دفَع الشَّيطانَ دَفعًا لا يَدفَعُه دَفعُ الصَّومِ الناقِصِ، فهذه المُناسَبةُ ظاهِرةٌ في مَنعِ الصائِمِ من =

<<  <  ج: ص:  >  >>