للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوي عن النَّبيِّ قالَ: «فإذَا بلَغَتْ خَمسًا وعِشرينَ ففِيها بِنتُ مخاضٍ، فإنْ لَم تَكنْ فابنُ لَبونٍ ذكرٌ» (١) وفيه دَليلانِ:

أحَدُهما: أنَّه أمَر أنْ يَأخذَ ابنَ لَبونٍ على وَجهِ البَدلِ عندَ عَدمِ بِنتِ مَخاضٍ، وأبو حَنيفةَ يُجيزُ أخْذَه على وَجهِ القيمةِ مع وُجودِ بِنتِ مَخاضٍ.

والثاني: أنَّه نَصَّ على شَيئَينِ على التَّرتيبِ، وأبو حَنيفةَ يُجيزُ ثالِثًا، وهو القيمةُ، ويُسقِطُ التَّرتيبَ.

ورُوي عن رَسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «ومَن بلَغَتْ صَدقتُه جَذَعةً وليسَت عندَه جَذَعةٌ وعندَه حِقَّةٌ فإنَّها تُؤخذُ منه ويَجعَلُ معها شاتَينِ إنِ استَيسَرَ، أو عِشرِينَ دِرهمًا» (٢) وفيه دَليلانِ كالذي قبلَه، ثم قدَّرَ البَدلَ من الدَّراهمِ بعِشرينَ دِرهمًا، والقيمةُ غيرُ مُقدَّرةٍ بالشَّرعِ كقيَمِ المُتلَفاتِ، وإنَّما البَدلُ مُقدَّرٌ بالشَّرعِ كالدِّياتِ، وهذا دَليلٌ ثالِثٌ من الخبَرِ، وهو أَقواها؛ ولأنَّه عدَلَ عن المَنصوصِ عليه إلى غيرِه فلم يُجزِئْه كسُكنى دارِه، وهو أنْ يُسكِنَها الفُقراءَ مُدةً تَكونُ أُجرتُها قَدرَ زَكاتِه؛ ولأنَّه إِخراجُ قيمةٍ في الزَّكاةِ، فوجَبَ ألَّا يُجزِئَه، كما لو أخرَجَ نِصفَ صاعٍ تَمرًا وسَطًا عن صاعِ تَمرٍ رَديءٍ، أو أخرَجَ شاةً سَمينةً عن شاتَينِ مَهزولتَينِ؛ ولأنَّه حَقٌّ في مالٍ يُخرَجُ على وَجهِ الطُّهرةِ فلم يَجزْ إِخراجُ قيمَتِه كالعِتقِ في الكَفارةِ، فإنْ قيلَ: هو باطِلٌ بجَزاءِ الصَّيدِ يَجوزُ عندَكم إِخراجُ قيمَتِه، قيلَ: غَلطٌ؛ لأنَّ القيمةَ


(١) أخرجه أبو داود في «سننه» (٢/ ٩٦) كتاب الزَّكاة (٥) باب زَكاة الماشية ح (١٥٦٧)، وصحَّحه الشَّيخُ الأَلبانِيُّ في «صَحيحِ أبي داودَ» (١٣٩٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>