للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأَنصارِ بالمَدينةِ»، فأمَرَهم بدَفعِ الثيابِ بَدلًا عن الذُّرةِ والشَّعيرِ، وهو لا يَقولُ ذلك في حياةِ النَّبيِّ إلا تَوقيفًا، قالوا: ولأنَّه مالٌ مُزكًّى جازَ إِخراجُ قيمَتِه كمالِ التِّجارةِ. قالوا: ولأنَّ القيمةَ مالٌ جازَ إِخراجُها في الزَّكاةِ كالمَنصوصِ عليه، قالوا: ولأنَّه لمَّا جازَ في الزَّكاةِ العُدولُ عن العَينِ إلى الجِنسِ، وهو أنْ يُخرِجَ زَكاةَ غَنمِه من غيرِها جازَ العُدولُ من جِنسٍ إلى جِنسٍ، ألَا تَرى أنَّ في حُقوقِ الآدميِّينَ لمَّا لم يَجزِ العُدولُ من العَينِ إلى الجِنسِ لم يَجزِ العُدولُ من جِنسٍ إلى جِنسٍ.

والدِّلالةُ على صحَّةِ ما ذهَبْنا إليه: رِوايةُ عَطاءِ بنِ يَسارٍ عن مُعاذِ بنِ جَبلٍ أنَّ رَسولَ اللهِ «أمَرَه أنْ يَأخذَ مِنْ الحَبِّ حَبًّا، ومِن الغَنمِ غَنمًا، ومِن الإبلِ إبلًا، ومِن البَقرِ بَقرًا» (١) فاقتَضى ظاهِرُ أمْرِه ألَّا يَجوزَ الأخذُ من غيرِه.

ورَوى عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ قالَ: قال رَسولُ اللهِ عن صَدقةِ الفِطرِ من رَمضانَ: «صَاعًا مِنْ تَمرٍ أو صاعًا مِنْ شَعيرٍ، على كلِّ حُرٍّ وعَبدٍ ذَكرٍ أو أُنثى مِنْ المُسلِمينَ» (٢) فخيَّرَه بينَ التَّمرِ والشَّعيرِ دونَ غَيرِهما، والمُخالِفُ خيَّرَه بينَهما أو بينَ قيمةِ أحَدِهما، وظاهِرُ الخبَرِ يَمنَعُ منهما.


(١) أخرجه أبو داودَ في «سننه» (٢/ ١٠٩) كتاب الزَّكاةِ باب صَدقةِ الزَّرعِ ح (١٥٩٩)، وأخرجه ابنُ ماجه في «سننه» (١/ ٥٨٠) كتاب الزَّكاةِ باب ما تَجبُ فيه الزَّكاةُ في «الأموالِ» ح (١٨١٤)، وضعَّفه الشَّيخُ الألبانِيُّ في «صَحيحِ وضَعيفِ أبي داودَ» (١٥٩٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>