وسَببُ اختِلافِهم: هل الزَّكاةُ عِبادةٌ أو حَقٌّ واجِبٌ للمَساكينِ؟
فمَن قالَ: إنَّها عِبادةٌ، قالَ: إنْ أخرَجَ من غيرِ تلك الأَعيانِ لم يَجزْ؛ لأنَّه إذا أَتى بالعِبادةِ على غيرِ الجِهةِ المَأمورِ بها فهي فاسِدةٌ، ومَن قالَ: هي حَقٌّ للمَساكينِ، لا فَرقَ عندَه بينَ القيمةِ والعَينِ.
وقد قالَت الشافِعيةُ: لنا أنْ نَقولَ -وإنْ سلَّمنا أنَّها حَقٌّ للمَساكينِ-: إنَّ الشارِعَ إنَّما علَّقَ الحَقَّ بالعَينِ قَصدًا منه لتَشريكِ الفُقراءِ مع الأَغنياءِ في أَعيانِ الأَموالِ.
والحَنفيةُ يَقولونَ: إنَّما خُصَّت بالذِّكرِ أَعيانُ الأَموالِ تَسهيلًا على أَربابِ الأَموالِ؛ لأنَّ كلَّ ذي مالٍ إنَّما يَسهُلُ عليه الإِخراجُ من نَوعِ المالِ الذي بينَ يدَيه، ولذلك جاءَ في بعضِ الأثَرِ أنَّه جعَلَ في الدِّيَةِ على أهلِ الحُلَلِ حُللًا، على ما يَأتي في كِتابِ الحُدودِ (١).
أدِلَّةُ كلِّ قَولٍ:
أولًا: أَقوالُ القَولِ الأولِ وأدِلَّتُه، وهُم الذين قالوا بجَوازِ إِخراجِ القيمةِ في زَكاةِ الفِطرِ:
قالَ الكاسانيُّ ﵀: وأمَّا صِفةُ الواجِبِ فهي أنَّ وُجوبَ المَنصوصِ عليه من حيثُ إنَّه مالٌ مُتقَوَّمٌ على الإِطلاقِ، لا من حيثُ إنَّه عَينٌ، فيَجوزُ أنْ يُعطيَ عن جَميعِ ذلك القيمةَ، دَراهمَ أو دَنانيرَ أو فُلوسًا أو عُروضًا أو ما شاءَ، وهذا عندَنا.