للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الثاني: أنَّه يَجوزُ تَوريثُ المُسلمِ من الكافرِ، وهو قَولُ مُعاذِ بنِ جَبلٍ ومُعاويةَ بنِ أَبي سُفيانَ ومُحمدِ بنِ الحَنفيةِ ومُحمدِ بنِ علِيِّ بنِ الحُسَينِ وسَعيدِ بنِ المُسيِّبِ ومَسروقِ بنِ الأَجدَعِ وعبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ ويَحيَى بنِ يَعمُرَ وإِسحاقَ بنِ راهَوَيهِ، وهو اختيارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ وابنِ القَيمِ.

قالوا جَميعًا: نَرثُهم ولا يَرثونَنا كما نَنكِحُ نِساءَهم ولا يَنكِحونَ نِساءَنا.

قالَ ابنُ القَيمِ : والذين مَنَعوا المِيراثَ عُمدتُهم الحَديثُ المُتَّفقُ عليه: «لا يَرثُ المُسلمُ الكافِرَ ولا يَرثُ الكافِرُ المُسلمَ» وهو عُمدةُ مَنْ منَعَ مِيراثَ المُنافِقِ الزِّنديقِ ومِيراثَ المُرتدِّ.

قالَ شَيخُنا -أي: ابنُ تَيميةَ-: وقد ثبَتَ بالسُّنةِ المُتواتِرةِ أنَّ النَّبيَّ كانَ يُجري الزَّنادقةَ المُنافِقينَ في الأَحكامِ الظاهِرةِ مَجرى المُسلِمينَ فيَرِثونَ ويُورِّثونَ، وقد ماتَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ وغيرُه ممَّن شهِدَ القُرآنُ بنِفاقِهم ونُهيَ الرَّسولُ عن الصَّلاةِ عليه والاستِغفارِ له، وورِثَهم وَرثتُهم المُؤمِنونَ، كما ورِثَ عبدَ اللهِ بنَ أُبيٍّ ابنُه، ولم يأخُذِ النَّبيُّ من تَركةِ أحدٍ من المُنافِقينَ شَيئًا ولا جعَلَ شَيئًا من ذلك فَيئًا، بل أَعطاه لوَرثتِهم، وهذا أمرٌ مَعلومٌ بيَقينٍ، فعُلمَ أنَّ المِيراثَ مَدارُه على النُّصرةِ الظاهِرةِ لا على إِيمانِ القُلوبِ والمُوالاةِ الباطِنةِ، والمُنافِقونَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>