قالَ الإِمامُ الكاسانِيُّ ﵀ بعدَ ذِكرِه لحَديثِ سيِّدِنا علِيٍّ: أشارَ سيِّدُنا علِيٌّ ﵁ إلى أنَّ التَّرتيبَ في الذِّكرِ لا يُوجبُ التَّرتيبَ في الحُكمِ.
ولأنَّ الدَّينَ واجِبٌ والوَصيةَ تَبرعٌ، والواجِبُ مُقدَّمٌ على التَّبرعِ، ومَعنى تَقدُّمِ الدَّينِ على الوَصيةِ والمِيراثِ أنَّه يُقضَى الدَّينُ أولًا، فإنْ فضَلَ منه شَيءٌ يُصرفُ إلى الوَصيةِ والمِيراثِ، وإلا فلا.
وأمَّا مَعنى تَقدُّمِ الوَصيةِ على المِيراثِ فليس مَعناه أنْ يُخرَجَ الثُّلثُ ويُعزلُ عن التَّركةِ ويُبدأُ بدَفعِه إلى المُوصَى له ثم يُدفعُ الثُّلثانِ إلى الوَرثةِ؛ لأنَّ التَّركةَ بعدَ قَضاءِ الدَّينِ تَكونُ بينَ الوَرثةِ وبينَ المُوصَى له على الشَّركةِ، والمُوصَى له شَريكُ الوَرثةِ في الاستِحقاقِ كأنَّه واحِدٌ من الوَرثةِ لا يَستحقُّ المُوصَى له من الثُّلثِ شَيئًا قَلَّ أو كثُرَ إلا ويَستحقُّ منه الوَرثةُ ثُلثَيه ويَكونُ فَرضُهما معًا لا يُقدَّمُ أَحدُهما على الآخَرِ، حتى لو هلَكَ شَيءٌ من التَّركةِ قبلَ القِسمةِ يَهلِكُ على المُوصَى له والوَرثةِ جَميعًا، ولا يُعطَى المُوصَى له كلَّ الثُّلثِ من الباقي، بل الهالِكُ يَهلِكُ على الحَقَّينِ والباقي يَبقَى على الحَقَّينِ، كما إذا هلَكَ شَيءٌ من المَواريثِ بعدَ الوَصايا بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّه إذا هلَكَ بعضُ التَّركةِ وبَقيَ بعضٌ يُستَوفَى كلُّ الدَّينِ من الباقي، وإنَّما مَعناه أنَّه يُحسَبُ قَدرُ الوَصيةِ من جُملةِ التَّركةِ أولًا لتَظهرَ سِهامُ الوَرثةِ كما تُحسَبُ سِهامُ أَصحابِ الفَرائضِ أولًا ليَظهرَ الفاضِلُ للعَصبةِ، ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ مَعنى قَولِه ﵎: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] أي: سِوى ما لَكم أنْ