للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُوصُوه من الثُّلثِ أَوصاكم اللهُ بكذا، وتَكونُ «بَعدِ» بمَعنى «سِوى» واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : قد ذكَرَ السُّهيليُّ أنَّ تَقديمَ الوَصيةِ في الذِّكرِ على الدَّينِ لأنَّ الوَصيةَ إنَّما تَقعُ على سَبيلِ البِرِّ والصِّلةِ بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّه إنَّما يَقعُ غالِبًا بعدَ المَيتِ بنَوعِ تَفريطٍ، فوقَعَت البَداءةُ بالوَصيةِ لكَونِها أفضَلَ.

وقالَ غيرُه: قُدِّمت الوَصيةُ لأنَّها شَيءٌ يُؤخذُ بغيرِ عِوضٍ والدَّينُ يُؤخذُ بعِوضٍ، فكانَ إِخراجُ الوَصيةِ أشَقَّ على الوارِثِ من إِخراجِ الدَّينِ، وكانَ أَداؤُها مَظِنةَ التَّفريطِ بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّ الوارِثَ مُطمئِنٌّ بإِخراجِه، فقُدِّمت الوَصيةُ لذلك.

وأيضًا: فهي حَظُّ فَقيرٍ ومِسكينٍ غالِبًا، والدَّينُ حَظُّ غَريمٍ يَطلبُه بقُوةٍ وله مَقالٌ، كما صَحَّ «أنَّ لصاحِبِ الدَّينِ مَقالًا».

وأيضًا: فالوَصيةُ يُنشئُها المُوصي من قِبَلِ نَفسِه فقُدِّمت تَحريضًا على العَملِ بها، بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّه ثابِتٌ بنَفسِه مَطلوبٌ أَداؤُه سَواءٌ ذُكرَ أو لم يُذكَرْ.

وأيضًا: فالوَصيةُ مُمكِنةٌ من كلِّ أحدٍ، ولا سيَّما عندَ مَنْ يَقولُ بوُجوبِها؛ فإنَّه يَقولُ بلُزومِها لكلِّ أحدٍ، فيَشتَركُ فيها جَميعُ المُخاطَبينَ؛ لأنَّها تَقعُ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>