للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنَّه قدَّمَ الوَصيةَ؛ لأنَّ تَسبُّبَها من قِبَلِ نَفسِه، والدَّينُ ثابِتٌ مُؤدًّى، ذكَرَه أو لم يَذكُرْه.

الثالِثُ: أنَّ وُجودَ الوَصيةِ أكثَرُ من وُجودِ الدَّينِ، فقدَّمَ في الذِّكرِ ما يَقعُ غالِبًا في الوُجودِ.

الرابِعُ: أنَّه ذكَرَ الوَصيةَ؛ لأنَّه أمرٌ مُشكلٌ، هل يَقصدُ ذلك ويَلزمُ امتِثالُه أو لا؟ لأنَّ الدَّينَ كانَ ابتِداءً تامًّا مَشهورًا أنَّه لا بُدَّ منه، فقدَّمَ المُشكِلَ لأنَّه أهَمُّ في البَيانِ.

الخامِسُ: أنَّ الوَصيةَ كانَت مَشروعةً ثم نُسخَت في بعضِ الصُّورِ، فلمَّا ضعَّفَها النَّسخُ قوِيَت بتَقديمِ الذِّكرِ، وذِكرُهما معًا كانَ يَقتَضي أنْ تَتعلَّقَ الوَصيةُ بجَميعِ المالِ تَعلُّقَ الدَّينِ، لكنَّ الوَصيةَ خُصصَت ببعضِ المالِ؛ لأنَّها لو جازَت في جَميعِ المالِ لاستَغرَقَته ولم يُوجَدْ مِيراثٌ، فخصَّصَها الشَّرعُ ببعضِ المالِ بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّه أمرٌ يُنشئُه بمَقاصدَ صَحيحةٍ في الصِّحةِ والمَرضِ، بَيِّنةِ النَّواحي في كلِّ حالٍ يَعمُّ تَعلُّقها بالمالِ كلِّه.

ولمَّا قامَ الدَّليلُ وظهَرَ المَعنى في تَخصيصِ الوَصيةِ ببعضِ المالِ قدَّرَت ذلك الشَّريعةُ بالثُّلثِ، وبيَّنَت المَعنى المُشارَ إليه على لِسانِ النَّبيِّ في حَديثِ سَعدٍ، فظهَرَت المَسألةُ قَولًا ومَعنًى، وتبَيَّنت حِكمةً وحُكمًا (١).


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٤٤٥، ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>