وعن أَبي هُريرَةَ قالَ: «قُتلَ رَجلٌ على عَهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ فدُفعَ القاتلُ إلى وَليّه، فقالَ القاتلُ: يا رَسولَ اللّهِ، واللهِ ما أَردْتُ قَتلَه. فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه إنْ كانَ قَولُه صادقًا فقتَلْتَه دخلْتَ النارَ فخَلَّى عنه الرَّجلُ». قالَ: وكانَ مَكتوفًا بنِسعةٍ، قال: فخرَجَ يَجُرُّ نِسعَتَه، قال: فكانَ يُسمَّى ذا النِّسعةِ» (١). والنِّسعةُ حَبلٌ.
فمَوضعُ الدَّليلِ منه أنَّ النَّبيَّ ﷺ عدَّ إِذنَه في قَتلِه أخبَرَ أنَّه كانَ صادقًا، فأحرَمَ قَتلَه، فدلَّ على نُفوذِ الحُكمِ في الظاهرِ دونَ الباطنِ.
وأمَّا الاعتِبارُ: فهو أنَّ شَهادةَ الزُّورِ أَفسدُ مِنْ شَهادةِ العَبدِ والكافرِ، وحُكمُ الأَموالِ أَخفُّ مِنْ حُكمِ الفُروجِ، فلمَّا لمْ يَنفذِ الحُكمُ في الباطنِ بشَهادةِ العَبدِ والكافرِ كانَ أَولى ألَّا تَنفذَ في الفُروجِ بشَهادةِ الزُّورِ، ولمَّا لمْ يَنفذْ بشَهادةِ الزُّورِ في الأَموالِ كانَ أَولى ألَّا تَنفذَ في الفُروجِ، ويَتحررُ مِنْ اعتلالِ هذا الاستِدلالِ قِياسانِ:
أَحدُهما: أنَّ كلَّ شَهادةً لا يَنفذُ بها حُكمُ الباطنِ في الأَموالِ لمْ يَنفذْ في الفُروجِ قِياسًا على شَهادةِ العَبدِ والكافرِ.
والقِياسُ الثانِي: أنَّ كلَّ حُكمٍ لا يَنفذُ في الباطنِ بشَهادةِ العَبدِ والكافرِ لمْ يَنفذْ بشَهادةِ الزُّورِ، بخِلافِ الحُكمِ في الأَموالِ.
فإنْ قالُوا: الأَموالُ لا مَدخلَ للحُكامِ في نَقلِها، ولهم مَدخلٌ في نَقلِ
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٤٨٩)، والترمذي (١٤٠٧)، والنسائي (٤٧٢٢)، وابن ماجه (٢٦٩٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute