للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الظاهرِ دونَ الباطنِ، ولمْ يَستبحْ ما حلَفَ عليه، ولا يُحيلُ حُكمُ الحاكمِ الأُمورَ عما هي عليه في الباطنِ.

والدَّليلُ على هذا الكِتابُ والسُّنةُ والاعتِبارُ.

فأمَّا الكِتابُ: فقَولُه تَعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٨] الآية. وفي تَفسيرِ هذه الآيةِ دَلائلُ كالنُّصوصِ فقَولُه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فيه تَأويلانِ: أَحدُهما: بالظُّلمِ. والثانِي: بالحَرامِ. ولا يَنفكُّ الحُكمُ بشَهادةِ الزُّورِ منها. وفي قَولِه تَعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨] تَأويلانِ: أَحدُهما: وتترافَعوا فيها إلى الحُكامِ. والثانِي: وتَحتجُّوا بها عندَ الحُكامِ. وهذه صِفةُ المَشهودِ له بالزُّورِ. وفي قَولِه: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)[البقرة: ١٨٨] أي: أَموالُ فَريقٍ مِنْ الناسِ. ﴿بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ١٨٨] فيه تَأويلانِ: أَحدُهما: بشَهادةِ الزُّورِ، وهذا نصٌّ. والثانِي: بالجُحودِ، وهو في مَعنى النصِّ.

وأمَّا السُّنةُ: فعن أُم سَلمةَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «إنما أنا بَشرٌ، وإنَّكم تَختصمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أنْ يَكونَ أَلحنَ بحُجتِه مِنْ بعضٍ، فأَقضي له على غيرِه بما أَسمعُ منه، فمَن قَضيتُ له بشَيءٍ مِنْ حقِّ أَخيه، فلا يَأخذْه منه فإنَّما أَقطعُ له قِطعةً مِنْ النارِ» (١). وهذا نصٌّ؛ لأنَّه أخبَرَ أنَّه يَقضي بالظاهرِ، وأنَّه على حَقيقتِه في الباطنِ لا يُحلُّ حَرامًا، ولا يُحرمُ حَلالًا.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٤٨)، ومسلم (١٧١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>