للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجعلَها بقَضائِه زَوجتَه، فلذلك طَريقانِ: إِظهارُ نِكاحٍ إنْ كانَ، وإِنشاءُ عَقدٍ بينهما، فإذا لمْ يَسبقْ منهما عَقدٌ تعذَّرَ إِظهارُه بالقَضاءِ فيَتعينُ الإِنشاء؛ إذ ليسَ هنا طَريقٌ آخر فيَثبتُ له وِلايةُ الإِنشاءِ بهذا النَّوعِ مِنْ الدَّليلِ الشَّرعيِّ ويَجعلُ إِنشاءَه كإِنشاءِ الخَصمينِ فيَثبتُ الحِلُّ به بينَهما حَقيقةً، بل قَضاؤُه أَولى وأَقوى مِنْ إِنشاءِ الخَصمينِ عن اتفاقٍ، ألَا تَرى أنَّ في المُجتهِداتِ صِفةُ اللُّزومِ يَثبتُ بإِنشاءِ القاضِي ولا يَثبتُ بإِنشاءِ الخَصمينِ فعرَفْنا أنَّ قَضاءَه أَقوى مِنْ إِنشاءِ الخَصمينِ.

ولأنَّ اللِّعانَ يَنفسخُ به النِّكاحُ، وإنْ كانَ أَحدُهما كاذبًا فالحُكمُ أَولى (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ وأَبو يُوسفَ ومُحمدٌ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنَّ حُكمَ الحاكمِ لا يُزيلُ الشَّيءَ عن صِفتِه ولا يُحلُّ حُكمُ الحاكمِ شَيئًا كانَ حَرامًا قبلُ، ولا يُحرمُ ما كانَ حَلالًا قبلُ.

فإذا حكَمَ حاكمٌ لطالبِ حقٍّ بشَهادةِ شاهدين فإنْ كانا صادقينِ كانَ حُكمُه صَحيحًا في الظاهرِ والباطنِ، وإنْ كانا كاذِبينِ كانَ حُكمُه نافذًا في الظاهرِ وباطلًا في الباطنِ، ولمْ يَحلَّ للمَحكومِ له فيما بينَه وبينَ اللهِ تَعالى أنْ يَستبيحَ ما حكَمَ به سُواءٌ كانَ مالًا أو فَرجًا أو قَتلًا، وهكذا لو طُولبَ بمالٍ يُقبلُ فيه قَولُه معَ يَمينِه كالوَدائعِ، والشِّركِ، والمُضارباتِ، فأحلَفَه الحاكمُ عندَ إِنكارِه، وإنْ كانَ صادقًا برِئَ في الظاهرِ والباطنِ، وإنْ كانَ كاذبًا برِئَ


(١) «فتاوى السغدي» (٢/ ٧٨٤، ٧٨٥)، و «المبسوط» (١٦/ ١٨٠، ١٨٢)، و «الاختيار» (٢/ ١٠٥، ١٠٦)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١١٦)، و «درر الحكام» (٨/ ٣٨٩)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٢٣٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٥/ ٤٠٥، ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>