الهَرجِ والفِتنِ والنِّزاعِ، وهذا لا سَبيلَ إليه في الشَّرعِ، ولكن تَختلفُ أَحوالُ المُقلِّدينَ، فربما وَلى وُلاةُ الأَمرِ عاميًّا لغِناه عما في أَيدي الناسِ وتحلِّيه باسمِ العَدالةِ وسَمتِ الوَقارِ، ولكنَّه ليسَ معَه مِنْ التَّخصيصِ ومُجالسةِ العُلماءِ ومُطالبةِ ما يُخرجُه عن أَهلِ الغَباوةِ والجَهلِ ويُلحقُه بطَبقةِ مَنْ يَفهمُ ما تَقولُ الخُصومُ بينَ يَديه، فهذا لا يَنبغي أنْ يُولى قَضاءً ولا يُوثقَ به فيه». انتهى. وكانَتْ وَفاةُ المازِريِّ سنةَ ستٍّ وثَلاثينَ وخَمسمائةٍ ﵀ تَعالى.
وحَكى ابنُ راشدٍ عن بعضِهم أنَّه أجازَ تَوليةَ الجاهلِ ورَأى كَونَه عالمًا مُستحبًّا لا شرطًا في الصِّحةِ ولا مُوجبًا للعَزلِ، وهو قَولٌ شاذٌّ بَعيدٌ عن الصَّوابِ، والقاضِي أَحوجُ الناسِ إلى العِلمِ.
قالَ ابنُ راشدٍ:«ولا يُقالُ إنَّه يَستشيرُ أَهلَ العِلمِ ويَحكمُ بما يُجمعونَ عليه؛ لأنَّا نَقولُ هو مَأمورٌ بأنْ يَستشيرَ وإنْ كانَ فَقيهًا، فإذا اختلَفُوا عليه اجتهَدَ في اختلافِهم، وتَوخى أَحسنَ أَقاويلِهم، فإذا كانَ جاهلًا التبَسَ الأَمرُ عليه ولمْ يَعلمْ بماذا يَأخذْ، وربما ولِيَ الجاهلُ بَلدًا لا فُقهاءَ فيه فيَحكمُ بهَواه كما هو الغالبُ على بِلادِنا وزَمانِنا، فقد ذهَبَ العِلمُ وكثُرَ الجَهلُ وقُدمَت الجُهالُ واطرِحَت العُلماءُ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ»(١).
وقالَ الإِمامُ ابنُ هُبيرةَ ﵀: «واتفَقُوا على أنَّه لا يَجوزُ أنْ يَتولى القَضاءَ مَنْ ليسَ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ إلا أَبا حَنيفةَ فإنَّه قالَ: يَجوزُ ذلك، وإذا ماتَ الإِمامُ أو نائبُه يَنعزلُ وِلايته في المَشهورِ.