للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنْ يُفتيَ به وإنْ لمْ يَكنْ راجحًا عندَه مُقلِّدًا في رُجحانِ القَولِ المَحكومِ به إِمامَه الذي يُقلِّدُه في الفُتيا، وأمَّا اتباعُ الهَوى في الحُكمِ والفُتيا فحَرامٌ إِجماعًا».

وقالَ ابنُ شاسٍ: «ولا تَصحُّ تَوليةُ مُقلِّدٍ في مَوضعٍ يُوجدُ فيه عالمٌ، فإنْ تقلَّدَ فهو جائرٌ مُتعَدٍّ؛ لأنَّه قعَدَ في مَقعدِ غيرِه ولبِسَ خِلعةً سِواه مِنْ غيرِ استِحقاقٍ».

قالَ ابنُ عَبدِ السَّلامِ: «ولا يَنبغي أنْ يُولَّى في زَمانِنا هذا مِنْ المُقلِّدينَ مَنْ ليسَ له قُدرةٌ على التَّرجيحِ بينَ الأَقوالِ فإنَّ ذلك غيرُ مَعدومٍ وإنْ كانَ قَليلًا، وأمَّا رُتبةِ الاجتِهادِ فإنَّها في المَغربِ مَعدومةٌ».

قالَ المازِريُّ: «في اشتِراطِ كَونش القاضِي ناظرًا هذه المَسائلَ تكلَّمَ عنها العُلماءُ الماضونَ لمَّا كانَ العِلمُ في أَعصارِهم كَثيرًا مُنتشرًا، وشُغلَ أَكثرُ أَهلِها بالاستِنباطِ والمُناظرةِ على المَذاهبِ، وأمَّا عَصرُنا هذا فإنَّه لا يُوجدُ في الإِقليمِ الواسعِ العَظيمِ مُفتٍ نَظارٌ قد حصَّلَ آلةَ الاجتِهادِ، واستَبحَرَ في أُصولِ الفِقهِ، ومَعرفةِ اللِّسانِ، والسُّننِ، والاطِّلاعِ على ما في القُرآنِ مِنْ الأَحكامِ، والاقتِدارَ على تَأويلِ ما يَجبُ تَأويلُه وبِناءِ ما تعارَضَ بعضُه على بَعضٍ، وتَرجيحِ ظاهرٍ على ظاهرٍ، ومَعرفةِ الأَقيسةِ وحُدودِها وأَنواعِها وطُرقِ استِخراجِها، وتَرجيحِ العِللِ والأَقيسةِ بعضِها على بعضٍ، هذا الأمرُ زَمانُنا عارٍ منه في أَقاليمِ المَغربِ كلِّه فَضلًا عمن يَكونُ قاضيًا على هذه الصِّفةِ، فالمَنعُ مِنْ وِلايةِ المُقلِّدِ القَضاءَ في هذا الزَّمانِ تَعطيلٌ للأَحكامِ وإِيقاعٌ في

<<  <  ج: ص:  >  >>