ولأنَّ التَّقليدَ ليسَ بطَريقٍ إلى العِلمِ، وإنما يَجوزُ للعاميِّ للضَّرورةِ، ولا ضَرورةَ إلى تَقليدِ الحاكمِ ليُقلدَ غيرَه.
ولأنَّ الحُكمَ آكدُ مِنْ الفُتيا؛ لأنَّ المُفتيَ لا يَلزمُ المُستفتيَ ما يُفتيه به، فإنْ لمْ يَجزْ أنْ يَكونَ المُفتي عاميًّا فلئلَّا يَجوزَ أنْ يَكونَ القاضِي عاميًّا أَولى.
فإنْ قيلَ: فالمُفتي يَجوزُ أنْ يُخبِرَ بما سمِعَ.
قلْنا: نعم، إلا أنَّه لا يَكونُ مُفتيًا في تلك الحالِ، وإنما هو مُخبِرٌ فيَحتاجُ أنْ يُخبِرَ عن رَجلٍ بعَينِه مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ فيَكونُ مَعمولًا بخبَرِه لا بفُتياه، ويُخالفُ قَولَ مَعرفتِه المَقولينَ؛ لأنَّ ذلك لا يُمكنُ الحاكمُ مَعرفتَه بنَفسِه بخِلافِ الحُكمِ (١).
وقالَ القَرافِيُّ: «الحاكمُ إنْ كانَ مُجتهدًا فلا يَجوزُ له أنْ يَحكمُ ويُفتيَ إلا بالراجحِ عندَه، وإنْ كانَ مُقلِّدًا جازَ له أنْ يَحكمَ بالمَشهورِ مِنْ مَذهبِه
(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ٧، ١٥) «التاج والإكليل» (٥/ ٥٢)، و «المختصر الفقهي» (١٣/ ٢٤٦، ٢٤٧)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٥٢)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣)، و «الحاوي الكبير» (١٦/ ١٦٠) «البيان» (١٣/ ١٩، ٢٠)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٢٣٣، ٢٣٤)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ١٤٦)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٢٨٩)، و «المغني» (١٠/ ٩٣)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٧٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٤٧٦)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٥٥).