للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدَّليلُ عليه أنَّها تَصحُّ الأنكِحةُ فيما بينَهم، ولا نِكاحَ إلا بوَليٍّ، والمُسلمُ إذا خطَبَ إلى كِتابيٍّ ابنَتَه الصَّغيرةَ فزوَّجَها به جازَ النِّكاحُ، ولأنَّ الكافرَ من أهلِ الوِلايةِ على نَفسِه ومالِه على الإِطلاقِ، فيَكونُ من أهلِ الوِلايةِ على غيرِه عندَ وُجودِ شَرطِ تَعدِّي وِلايتِه إلى الغيرِ، والشَّهادةُ نَوعُ وِلايةٍ، فإذا ثبَتَت الأَهليةُ للوِلايةِ ثبَتَت الأَهليةُ للشَهادةِ، ثم المَقبولُ تَرجُّحُ جانِبِ الصِّدقِ، وذلك في انزِجارِه عمَّا يَعتقِدُه حَرامًا في دِينِه، والكافرُ مُنزجِرٌ عن ذلك، فتُقبَلُ شَهادتُه، واسمُ العَدالةِ والرِّضاءِ ثبَتَ في حَقِّ الكافرِ في المُعامَلاتِ بصِفةِ الأَمانةِ، فقد وصَفَه اللهُ تَعالى بذلك في قوله ﷿: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾ [آل عمران: ٧٥]، ولا يُقالُ: إنَّهم أظهَروا الكُفرَ عِنادًا كما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]؛ لأنَّ هذا كانَ في الأَحبارِ الذين كانوا على عَهدِ رَسولِ اللهِ حتى تَواطَؤوا على كِتمانِ بَعثِ رَسولِ اللهِ ونُبوَّتِه فلا شَهادةَ لأُولئك عندَنا، فأمَّا مَنْ سِواهم فيَعتَقِدونَ الكُفرَ؛ لأنَّ عندَهم أنَّ الحَقَّ ما هم عليه، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨]، وقالَ ٥: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ [البقرة: ١٤٦]، وبهذا التَّحقيقِ يَتبيَّنُ أنَّ فِسقَهم فِسقُ اعتِقادٍ، وقد بَيَّنَّا أنَّ هذا لا يُمكِّنُ تُهمةَ الكَذبِ في الشَّهادةِ، وإنَّما لا تُقبلُ شَهادتُهم على المُسلِمينَ لانقِطاعِ وِلايتِهم عن المُسلِمينَ، وإنَّما لا تُقبلُ شَهادةُ العَبدِ والصَّبيِّ لانعِدامِ الأَهليةِ والوِلايةِ، وبه يَتبيَّنُ أنَّ أثَرَ الرِّقِّ فَوقَ تأثيرِ الكُفرِ في حُكمِ الوِلايةِ ثم هم يُعادونَ المُسلِمينَ بسَببٍ باطِلٍ فيَحمِلُهم ذلك على التَّقوِّي على المُسلِمينَ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>