والدَّليلُ على أنَّ الصيانةَ لا تَحصلُ إلا أنْ يَكونَ لبعضِهم على بعضٍ شَهادةٌ؛ لأنَّ هذه المُعاملاتِ تَكثُرُ فيما بينَهم، ولأنَّ المُسلِمينَ لا يَحضُرونَ مُعاقَداتِهم ليَتحَمَّلوا حَوادِثَهم، فلو لم يَكنْ لبعضِهم على بعضٍ شَهادةٌ لضاعَت حُقوقُهم عندَ الجُحودِ والإِنكارِ فدَعَت الحاجةُ إلى الصِّيانةِ بالشَّهادةِ.
ولأنَّ الكُفرَ لا يُنافي الوِلايةَ؛ لأنَّ الكافِرَ يَلي على أَطفالِه وعلى نِكاحِ بَناتِه، فكانَ أَولَى ألَّا يُمنعَ من الشَّهادةِ؛ لأنَّها أخَفُّ شُروطًا من الوِلايةِ. ولأنَّ مَنْ كانَ عَدلًا من أهلِ دِينِه قُبلَت شَهادتُه كالمُسلِمينَ.
ولأنَّه فِسقٌ على وَجهِ التأويلِ، فلم يَمنَعْ من قَبولِ الشَّهادةِ كأهلِ البَغيِ.
وعن عُمرَ وعلِيٍّ ﵄ في ذِميَّينِ دِينًا قالا:«يُدفَعانِ إلى أهلِ دِينِهما ليَحكُمَ بينَهما» ومِن ضَرورةِ جَوازِ حُكمِ بعضِهم على بعضٍ، والسَّلفُ ﵏ كانوا مُجمِعينَ على هذا حتى قالَ يَحيَى بنُ أكثَمَ ﵀:«تَتبَّعتُ أَقاويلَ السَّلفِ فلم أجِدْ أحَدًا منهم لم يُجوِّزْ شَهادةَ أهلِ الذِّمةِ بعضِهم على بعضٍ إلا أنِّي رأيتُ لرَبيعةَ فيه قَولَينِ».
والمَعنى فيه أنَّ الكافِرَ من أهلِ الوِلايةِ، فيَكونُ من أهلِ الشَّهادةِ كالمُسلمِ.