للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَفظُ القَرافِيِّ في الحَشيشةِ أنها مُفسِدةٌ لا مُسكرةٌ، وبهذا الفرقِ يَندفعُ ما أورَدَه بَعضُهم على قَولِه: «إلا المُسكرَ» مِنْ شُمولِه للنباتِ المُغيِّبِ للعقلِ كالبنجِ والسيكرانِ، فإنها مُفسداتٌ أو مُرقداتٌ لا مُسكراتٌ.

وذكَرَ البُرزليُّ عن القَرافِيِّ في الحَشيشةِ ثَلاثةَ أقوالٍ: ثالثُها بالفرقِ بينَ أنْ تُحمَّسَ فتكونُ نَجسةً وفيها الحَدُّ، وقبلْ أنْ تُحمسَ فلا حَدَّ ولا نَجاسةَ، واختارَ القَرافِيُّ في الفرقَ المُوفِي أربَعينَ أنه لا حَدَّ فيها، وإنما فيها التعزيرُ الزاجِرُ عن المُلابَسةِ، قالَ: ولا تَبطلُ الصلاةُ بحَملِها.

ثم ذكَرَ أنَّ الأفيونَ مِنْ المُفسِداتِ، وقالَ: مَنْ صلَّى به أو بالبنجِ لم تَفسدْ صَلاتُه إجماعًا، وكذا غيرُه مِنْ المُفسداتِ، قالَ: كأنْ يَتناولَ مِنْ الأفيونِ والبَنجِ والسيكرانِ ما لا يَصلُ إلى التأثيرِ في العقلِ والحواسِّ. انتهى

قلتُ: فعَلى هذا يَجوزُ لمَن ابتُليَ بأكلِ الأفيونِ وصارَ يَخافُ على نفسِه الموتَ مِنْ تركِه أنْ يَستعملَ منه القَدرَ الذي لا يُؤثِّرُ في عقلِه وحواسِّه، ويَسعَى في تَقليلِ ذلك وقَطعِه جهْدَه، ويَجبُ عليه أنْ يَتوبَ ويَندمَ على ما مضَى، واللهُ أعلَمُ.

فَرعٌ: قالَ ابنُ فَرحونٍ: وأما العَقاقيرُ الهِنديةُ فإنْ أُكلَتْ لِما تُؤكلُ له الحَشيشةُ امتَنعَ أكلُها، وإنْ أُكلَتْ للهَضمِ وغيرِه مِنْ المَنافعِ لم تَحرمْ، ولا يَحرمُ منها إلا ما أفسَدَ العَقلَ.

وذكَرَ قبلَ هذا أنَّ الجَوزةَ وكَثيرَ الزَّعفرانِ والبَنجِ والسَّيكرانِ مِنْ المُفسِداتِ، قليلُها جائزٌ وحُكمُها الطهارةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>