حلالٌ فإنه يُستتابُ، فإنْ تابَ وإلا قُتلَ مُرتدًّا لا يُصلَّى عليه ولا يُدفنُ في مَقابرِ المُسلمينَ، وأما إنِ اعتَقدَ ذلكَ قُربةً وقالَ:«هي لُقَيمةُ الذِّكرِ والفِكرِ، وتُحرِّكُ العزمَ الساكِنَ إلى أشرَفِ الأماكنِ، وتَنفعُ في الطريقِ» فهو أعظَمُ وأكبَرُ؛ فإنَّ هذا مِنْ جِنسِ دِينِ النَّصارى الذين يَتقربونَ بشُربِ الخَمرِ، ومِن جِنسِ مَنْ يَعتقدُ الفَواحشَ قُربةً وطاعةً، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨)﴾ [الأعراف: ٢٨]، ومَن كانَ يَستحلُّ ذلكَ جاهِلًا، وقد سُمعَ بعضُ الفقهاءِ يقولُ:
حَرَّمُوها مِنْ غيرِ عَقلٍ ونَقلٍ وحَرامٌ تَحريمُ غير الحَرامِ
فإنه ما يَعرفُ اللهَ ورَسولَه وأنها مُحرَّمةٌ والسُّكْرَ منها حَرامٌ بالإجماعِ، وإذا عرَفَ ذلك ولم يُقرَّ بتحريمِ ذلك فإنه يَكونُ كافرًا مُرتدًّا كما تَقدمَ، وكلُّ ما يُغيِّبُ العَقلَ فإنه حَرامٌ وإنْ لم تَحصلْ به نَشوةٌ ولا طَربٌ، فإنْ تَغيُّبَ العَقلِ حرامٌ بإجماعِ المُسلمينَ.
وأما تَعاطِي (البَنجِ) الذي لم يُسكرْ ولم يُغيِّبِ العَقلَ ففيهِ التعزيرُ، وأمَّا المُحقِّقونَ مِنْ الفُقهاءِ فعَلِموا أنها مُسكرةٌ، وإنما يَتناولُها الفُجَّارُ؛ لِمَا فيها مِنْ النَّشوةِ والطربِ، فهي تُجامِعُ الشرابَ المُسكرَ في ذلكَ، والخَمرُ تُوجبُ الحَركةَ والخُصومةَ، وهذه تُوجبُ الفُتورَ والذلةَ، وفيها مع ذلكَ مِنْ فَسادِ المِزاجِ والعَقلِ وفَتحِ بابِ الشَّهوةِ وما تُوجبُه مِنْ الدِّياثةِ ممَّا هي مِنْ شَرِّ الشَّرابِ المُسكرِ وإنما حَدثَتْ في الناسِ بحُدوثِ التتارِ.