للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما: حُكمُه حُكمُ ما لو تابَ قبلَ الظفَرِ به؛ لأنَّ ما يَسقطُ بتَوبةٍ أو غيرِها لا فرْقَ فيه قبلَ الظفَرِ بهِ أو بعدَ الظفرِ بهِ، كسُقوطِ قَطعِ السرقةِ الواجِبِ بالإقرارِ، وعَكسُه القِصاصُ.

والثَّاني: لا يَسقطُ؛ لقَولِه تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)[المائدة: ٣٤]، قالَ: وعلى هذا خرَّجَ أصحابُنا وَجهينِ في حَدِّ الزنى والشُّربِ: هل يَسقطُ بالتوبةِ؟ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فَصلٌ: وإنْ تابَ مَنْ عليهِ حَدٌّ مِنْ غيرِ المُحارِبينَ وأصلَحَ ففيهِ رِوايتانِ:

إحداهُما: يَسقطُ عنه؛ لقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ [النساء: ١٦]، وذكَرَ حَدَّ السارِقِ ثم قالَ: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ [المائدة ٣٩]، وقالَ النبيُّ : «التائِبُ مِنْ الذَّنبِ كمَن لا ذنْبَ لهُ» (٢)، ومَن لا ذنْبَ له لا حَدَّ عليهِ، وقالَ في ماعِزٍ لمَّا أُخبِرَ بهَربِه: «هلَّا تَركْتُموهُ يَتوبُ فيَتوبَ اللهُ عليهِ»، ولأنه خالِصَ حَقِّ اللهِ تعالَى، فيَسقطُ بالتوبةِ كحَدِّ المُحارِبِ.

والرِّوايةُ الثانيةُ: لا يَسقطُ، وهو قَولُ مالِكٍ وأبي حَنيفةَ وأحَدُ قَولَي الشافِعيِّ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾


(١) «البيان» (١٢/ ٥١١، ٥١٣)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٢١٣)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥٠١).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (٤٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>