للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)[النساء: ١٦]، وقالَ : «التَّوبةُ تَجُبُّ ما قبْلَها» (١).

ورُويَ: «أنَّ رَجلًا أتَى النبيَّ فقالَ: أني أصَبْتُ حَدًّا فأَقِمْه عليَّ، فقالَ: أليسَ تَوضَّأتَ فصَلَّيتَ؟ فقالَ: بَلى، قالَ: فلا حَدَّ عليكَ» (٢)، فالظاهِرُ أنه إنَّما سقَطَ عنه الحَدُّ بصَلاحِ العَملِ، ولأنه حَدٌّ خالِصٌ للهِ، فسقَطَ بالتَّوبةِ كالحَدِّ الذي يَختصُّ بالمُحارَبةِ.

فإذا قُلنا بهذا: فإنْ كانَتْ هذهِ الحُدودُ وجَبَتْ عليهِ في حالِ المُحاربَةِ .. سقَطَتْ عنه بالتَّوبةِ، ولا يُشترطُ عليه في سُقوطِ الحَدِّ مع التَّوبةِ إصلاحُ العَملِ، وإنْ كانَتْ وجَبَتْ عليه في غيرِ المُحارَبةِ .. لم تَسقطْ عنه حتَّى يَقرنَ مع التَّوبةِ إصلاحَ العَملِ.

والفَرقُ بينَهُما: أنَّ المُحارِبَ مُظهِرٌ للمَعاصِي، فإذا تابَ .. فالظاهِرُ مِنْ حالِه أنه لم يَتُبْ تَقيَّةً، وإنما رجَعَ عمَّا كانَ عليه. وغيرُ المُحارِبِ غيرُ مُظهِرٍ


(١) رواه الإمام أحمد في «مسنده» (١٧٨١٢) بلفظ: «الإسلامَ يَجبُّ ما كانَ قبْلَه، وإنَّ الهِجرةَ تَجبُّ ما كانَ قبْلَها».
(٢) رواه البخاري (٦٤٣٧) عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: «كنتُ عندَ النبيِّ فجاءَهُ رَجلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إني أصَبْتُ حَدًّا فأَقِمْه عَليَّ، قالَ: ولم يَسألْه عنه، قالَ: وحَضرَتِ الصلاةُ فصَلَّى مع النبيِّ ، فلمَّا قضَى النبيُّ الصلاةَ قامَ إليه رَجلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إني أصَبْتُ حَدًّا فأَقِمْ فِيَّ كِتابَ اللهِ، قالَ: أليسَ قد صَلَّيتَ معَنا؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فإنَّ اللهَ قد غفَرَ لكَ ذنبَكَ، أو قالَ: حَدَّكَ».

<<  <  ج: ص:  >  >>