وذهَبَ الشافِعيةُ في مُقابِلِ الأظهَرِ -وإنْ رجَّحَه العَمرانِيُّ وقالَ: هو الأصَحُّ- والحَنابلةُ في القَولِ الثَّاني إلى أنَّ الحُدودَ تَسقطُ بالتوبةِ قبلَ القُدرةِ عليهِم.
قالَ الإمامُ العَمرانِيُّ ﵀: وأما الحُدودُ التي تَجبُ لحَقِّ اللهِ تعالَى ولا يَختَصُّ وُجوبُها بالمُحارَبةِ كحَدِّ الزنى واللِّواطِ وحَدِّ الخَمرِ والسَّرقةِ .. فهلْ تَسقطُ بالتَّوبةِ عن المُحارِبِ وغيرِ المُحارِبِ؟ فيه قَولانِ:
أحَدُهما: لا تَسقطُ بالتَّوبةِ، وبه قالَ أبو حَنيفةَ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]، وقَولِه تعالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، وقالَ ﷺ: «مَنْ شَربَ الخَمرَ .. فاجلِدُوه» ولمْ يُفرِّقْ بينَ أنْ يَتوبَ وبينَ أنْ لا يَتوبَ؛ ولأنه حَدٌّ لا يَختصُّ بالمُحارَبةِ، فلمْ يَسقطْ بالتَّوبةِ كحَدِّ القَذفِ.
والثاني: يَسقطُ بالتَّوبةِ، وهو الأصَحُّ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾ [المائدة: ٣٤]، فأخبَرَ أنَّ المُحارِبَ إذا تابَ قبلَ القُدرةِ عليهِ .. غُفرَ له جَميعُ ما كانَ منهُ، وقالَ تعالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] إلى قَولِه: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)﴾ [المائدة: ٣٩]، فأخبَرَ أنه إذا تابَ وأصلَحَ .. فإنَّ اللهَ يَتوبُ عليهِ ويَغفرُ لهُ؛ والظاهِرُ أنه لا يَتعلقُ عليهِ شيءٌ بعدَ ذلكَ، وقالَ في الزِّنى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute