للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغامِديةِ: «لقدْ تابَتْ تَوبةً لو تابَها صاحِبُ مَكْسٍ لَغُفرَ لهُ» (١)، فإقامَةُ الرسولِ الحَدَّ على هاتَينِ مع تَوبتِهما دَليلٌ قاطعٌ على أنَّ سُقوطَ الحَدِّ بالتوبةِ إنما خُصَّ به المُحارِبونَ دونَ غيرِهم (٢).

إلا أنَّ الإمامَ القُرطبيَّ قالَ: فأما الشُّرَّابُ والزُّناةُ والسُّراقُ إذا تابوا وأصلَحُوا وعُرفَ ذلكَ منهُم ثم رُفِعوا إلى الإمامِ فلا يَنبغِي له أنْ يَحُدَّهم، وإنْ رُفِعوا إليه فقالوا: «تُبْنَا» لم يُتركُوا، وهُم في هذهِ الحالِ كالمُحارِبينَ إذا غُلِبوا، واللهُ أعلَمُ (٣).

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ في قَولٍ -وهو مَذهبُ المالِكيةِ والحَنفيةِ في غيرِ السرقةِ كما تَقدَّمَ- إلى أنَّ المُحارِبَ وغيرَ المُحارِبِ إذا فعَلَ ما يُوجِبُ حَدًّا لا يَختصُّ بالمُحارَبةِ كالزنا والقَذفِ وشُربِ الخَمرِ والسرقةِ ثمَّ تابَ أنه لا يَسقطُ عنه الحَدُّ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]، وقولِه تعالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، وقالَ : «مَنْ شَربَ الخَمرَ .. فاجلِدُوهُ» (٤) ولمْ يُفرِّقْ بينَ أنْ يَتوبَ وبينَ أنْ لا يَتوبَ؛ ولأنه حَدٌّ لا يَختصُّ بالمُحارَبةِ، فلمْ يَسقطْ بالتَّوبةِ كحَدِّ القَذفِ.


(١) رواه مسلم (١٦٩٥).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٤٤٣)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ١١٥)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٩١)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣٢٩).
(٣) «تفسير القرطبي» (٦/ ١٥٨).
(٤) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٤٨٥)، والترمذي (١٤٤٤)، والنسائي (٥٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>