للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالِ إلى صاحبِه، فإذا وصَلَ المالُ إلى صاحبِه لم يَبْقَ له حَقُّ الخُصومةِ مع السارقِ، بخِلافِ سائرِ الحُدودِ، فإنَّ الخُصومةَ فيها ليسَتْ بشَرطٍ، فعَدمُها لا يَمنعُ مِنْ إقامةِ الحُدودِ، وفي حَدِّ القَذفِ وإنْ كانَتْ شَرطًا لكنَّها لا تَبطلُ بالتوبةِ؛ لأنَّ بُطلانَها برَدِّ المالِ إلى صاحبِه ولم يُوجَدْ.

وقد رُويَ عن سيِّدِنا عَليٍّ «أنه كتَبَ إليه عامِلُه بالبَصرةِ أنَّ حارِثةَ ابنَ زَيدٍ حارَبَ اللهَ ورَسولَه وسَعَى في الأرضِ فَسادًا، فكتَبَ إليهِ سَيدُنا عليٌّ أنَّ حارِثةَ قد تابَ قبلَ أنْ تَقدرَ عليهِ، فلا تَتعرَّضْ له إلا بخَيرٍ».

هذا إذا تابَ قاطِعُ الطريقِ قبلَ القُدرةِ عليهِ، فأما إذا تابَ بعدَما قُدرَ عليه بأنْ أُخِذَ ثم تابَ لا يَسقطُ عنه الحَدُّ؛ لأنَّ التوبةَ عن السرقةِ إذا أخَذَ المالَ برَدِّ المالِ على صاحبِه، وبعدَ الأخذِ لا يَكونُ رَدُّ المالِ، بل يَكونُ استِردادًا منه جبْرًا، فلا يَسقطُ الحَدُّ، وإذا لم يَأخُذِ المالَ فهو بعدَ الأخذِ مُتهَمٌ في إظهارِ التوبةِ، فلا تَتحققُ تَوبتُه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ التَّوبةَ لا تُسقِطُ عنه أيَّ حَدٍّ مِنْ الحُدودِ، فإنَّ السارِقَ والقاذفَ والزانِيَ متى تابُوا ثم قامَتِ الشَّهادةُ عليهم أُقيمَتْ عليهم الحُدودُ، وحُجةُ أنَّ التَّوبةَ لا تُسقِطُ الحَدَّ قولُ النبيِّ في المَرأةِ الجُهينيةِ: «لقد تابَتْ تَوبةً لو قُسِمتْ بينَ سَبعينَ مِنْ أهلِ المَدينةِ لَوَسعَتْهم، وهل وجدَتْ تَوبةً أفضَلَ مِنْ أنْ جادَتْ بنَفسِها للهِ تعالَى؟» (٢)، وقالَ في


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٩٦).
(٢) رواه مسلم (١٦٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>