للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ ابنُ هُبيرةَ : أجمَعَ العُلماءُ أنه مَنْ أصابَ ذَنبًا فيه حَدٌّ أنه لا تَرفعُه التوبةُ ولا يَجوزُ للإمامِ العَفوُ عنه إذا بلَغَه (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : اتَّفقَ العُلماءُ فيما أعلَمُ على أنَّ قاطِعَ الطريقِ واللِّصَ ونحوَهما إذا رُفِعوا إلى وليِّ الأمرِ ثم تابوا بعدَ ذلكَ لم يَسقطِ الحَدُّ عنهم، بل تَجبُ إقامتُه وإنْ تابوا، فإنْ كانوا صادِقينَ في التوبةِ كانَ الحَدُّ كفَّارةِ لهُم، وكانَ تَمكينُهم مِنْ ذلكَ مِنْ تَمامِ التوبةِ بمَنزلةِ رَدِّ الحُقوقِ إلى أهلِها والتَّمكينِ مِنْ استِيفاءِ القِصاصِ في حُقوقِ الآدميِّينَ (٢).

وقالَ ابنُ القيِّمِ : الحُدودُ لا تَسقطُ بالتَّوبةِ بعدَ القُدرةِ اتفاقًا (٣).

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيما لو تابَ مِنْ الزنا أو القَذفِ أو السرقةِ أو شُربِ الخَمرِ قبلَ القُدرةِ عليه، هل يُقامُ عليه الحَدُّ أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ حَدَّ السرقةِ فقطْ هو مَنْ يَسقطُ عنه إذا تابَ قبلَ القُدرةِ عليهِ، ويُؤاخَذُ بسائرِ الحُدودِ وإنْ تابَ منها قبلَ القُدرةِ عليهِ، فإذا تابَ السارقُ قبلَ أنْ يُظفَرَ به ورَدَّ المالَ إلى صاحبِه يَسقطُ عنه القَطعُ، بخِلافِ سائرِ الحُدودِ أنها لا تَسقطُ بالتوبةِ.

والفَرقُ أنَّ الخُصومةَ شَرطٌ في السَّرقةِ الصُّغرَى والكُبرى؛ لأنَّ مَحلَّ الجِنايةِ خالِصُ حَقِّ العِبادِ، والخَصومةُ تَنتهِي بالتوبةِ، والتَّوبةُ تَمامُها برَدِّ


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٤٤٢).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢/ ٣٠٠).
(٣) «إعلام الموقعين» (٣/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>