للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المُهلَّبُ: هذا التَّلقينُ على اختِلافِ مَنازلِه ليسَ بسُنةٍ لازِمةٍ إلا عندَ اختيارِ الإمامِ ذلكَ، وله ألَّا يُلقِّنَ ولا يُعرِّضَ؛ لقَولِه: «بيَّنةٌ وإلا حَدٌّ في ظَهرِكَ»، وأمَّا التلقينُ الَّذي لا يَحلُّ فتَلقينُ الخَصمينِ في الحقوقِ وتَداعِي الناسِ، وكذلكَ لا يَجبُ تَلقينُ المُنتهِكِ المَعروفِ بذلكَ إذا تبيَّنَ ما أقَرَّ به أو شُهدَ عليهِ، ويَلزمُ الإمامَ إقامةُ الحدِّ فيه (١).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : يُستحَبُّ للإمامِ تَلقينُ المُقِرِّ الرجوعَ بقَولِه: «لعلَّكَ لمَسْتَها أو قبَّلْتَها» كما لقَّنَ ماعِزًا، وكما لقَّنَ السارِقَ والسارِقةَ بقولِه : «ما إِخالُه سرَقَ، أو أسرَقْتِ؟ قولِي: لا» (٢) لو لم يَكنْ مُحتمِلًا للرُّجوعِ لم يَكنْ للتلقينِ معنًى وفائدةٌ، فكانَ التلقينُ منهُ عليهِ أفضَلُ التَّحيةِ والتسليمِ احتِيالًا للدَّرءِ؛ لأنه أمَرَنا بهِ بقولِه عليهِ أفضَلُ التحيَّةِ: «ادرَؤُوا الحُدودَ بالشُّبهاتِ»، وقولِه : «ادرَؤُوا الحُدودَ ما استَطعْتُم»، وكذلكَ الرُّجوعُ عنِ الإقرارِ بالسَّرقةِ والشُّربِ؛ لأنَّ الحدَّ الواجِبَ بهِما حقُّ اللهِ خالِصًا، فيَصحُّ الرُّجوعُ عن الإقرارِ بهِما، إلَّا أنَّ في السَّرقةِ يَصحُّ الرجوعُ في حَقِّ القطعِ لا في حَقِّ المالِ؛ لأنَّ القَطعَ حقُّ اللهِ تعالى عَزَّ شأنُه على الخُلوصِ، فيَصحُّ الرُّجوعُ عنه، فأمَّا المالُ فحَقُّ العبدِ، فلا يَصحُّ الرُّجوعُ فيه.


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٤٤٤، ٤٤٦).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٤٣٨٠)، والنسائي (٤٨٧٧)، وأحمد (٢٢٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>