للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا الجَوابُ عن الخبَرِ في إبداءِ الصَّفحةِ فالراجِعُ غيرُ مُبْدٍ لصَفحتِه، وإنَّما يكونُ مُبدِئًا إذا قامَ على إقرارِه.

وأمَّا الجَوابُ عن قِياسِهم على حُقوقِ الآدميِّينَ فمِن وَجهينِ هُمَا فرقٌ يَمنعُ مِنْ صحَّةِ الجَمعِ:

أحَدُهما: أنَّ حُقوقَ اللهِ تعالَى تُدرَأُ بالشُّبهاتِ وحُقوقَ الآدميِّينَ لا تُدرَأُ بها.

والثَّاني: هو أنَّ عليهِ في حُقوقِ الآدميِّينَ أنْ يُقِرَّ بها، وكذلكَ لم يُقبَلْ رُجوعُه فيها، ولا يَجبُ عليهِ في حُقوقِ اللهِ تعالَى إلا التَّوبةُ مِنها، وهو مَندوبٌ إلى أنْ لا يُقِرَّ بها، فلِذلكَ قُبلَ رُجوعُه فيها.

وروَى مُحمدُ بنُ المُنكدِرِ عن ابنِ هزَّالٍ عن أبيهِ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ له: «وَيحَكَ يا هزَّالُ لو ستَرْتَه بثَوبِكَ كانَ خيرًا لكَ» (١) (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : مِنْ شَرطِ إقامةِ الحدِّ بالإقرارِ البَقاءُ عليهِ إلى تَمامِ الحَدِّ، فإنْ رجَعَ عن إقرارِه أو هرَبَ كُفَّ عنهُ، وبهذا قالَ عَطاءٌ ويحيَى بنُ يَعمُرَ والزُّهريُّ وحمَّادٌ ومالكٌ والثَّوريُّ والشافعيُّ وإسحاقُ وأبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ.

وقالَ الحسَنُ وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ وابنُ أبي ليلَى: يُقامُ عليهِ الحدُّ ولا يُتركُ؛ لأنَّ ماعِزًا هرَبَ فقتَلُوه ولم يَتركُوهُ، ورُويَ أنه قالَ: «ردُّونِي إلى رسولِ اللهِ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٣٧٧)، وأحمد (٢١٩٤٢).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢١٠، ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>