ﷺ فإنَّ قَومِي هم غَرُّونِي مِنْ نَفسِي وأخبَرُونِي أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ غيرُ قاتِلي، فلمْ يَنزِعُوا عنه حتَّى قتَلُوه» (١) أخرَجَه أبو داودَ، ولو قُبِلَ رُجوعُه للَزمَتْهم ديَتُه، ولأنه حقٌّ وجَبَ بإقرارِهِ، فلمْ يُقبَلْ رجوعُه كسائرِ الحُقوقِ.
وحُكيَ عن الأوزاعيِّ أنه إنْ رجَعَ حُدَّ للفِرْيةِ على نفسِه، وإنْ رجَعَ عنِ السَّرقةِ والشُربِ ضُربَ دونَ الحدِّ.
ولنَا: أنَّ ماعِزًا هرَبَ فذُكرَ للنبيِّ ﷺ فقالَ: «هلَّا تَركتُموهُ يَتوبُ فيَتوبَ اللهُ عليه»، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: ثبَتَ مِنْ حَديثِ أبي هريرةَ وجابرٍ ونُعيمِ بنِ هزَّالٍ ونَصرِ بنِ داهِرٍ وغيرِهم أنَّ ماعِزًا لمَّا هرَبَ فقالَ لهُم: «رُدُّوني إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ: هلَّا تَركتُموهُ يَتوبُ فيَتوبَ اللهُ عليهِ»، ففِي هذا أوضَحُ الدَّلائلِ على أنه يُقبَلُ رجوعُه، وعن بُريدةَ قالَ: «كنَّا أصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ نَتحدَّثُ أنَّ الغامِديةَ وماعزَ بنَ مالكٍ لو رجَعَا بعد اعتِرافِهما، أو قالَ: لو لم يَرجِعَا بعدَ اعتِرافهِما لم يَطلُبْهما، وإنما رجَمَهما عندَ الرابِعةِ» رواه أبو داود.
ولأنَّ رُجوعَه شُبهةٌ، والحُدودُ تُدرَأُ بالشُّبهاتِ، ولأنَّ الإقرارَ إحدَى بيِّنتَي الحَدِّ، فيَسقطُ بالرجوعُ عنهُ كالبيِّنةِ إذا رجَعَتْ قبْلَ إقامةِ الحدِّ، وفارَقَ سائرَ الحُقوقِ؛ فإنها لا تُدرَأُ بالشبهاتِ، وإنما لم يَجبْ ضَمانُ ماعِزٍ على الذينَ قتَلُوه بعدَ هَربِه لأنه ليسَ بصَريحٍ في الرجوعِ.
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٤٤٢٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute