للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحسَنُ البَصريُّ وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ ومالكٌ في إحدَى الرِّوايتينِ عنهُ وداودُ بنُ عليٍّ: لا يُقبَلُ رُجوعُه ولا يَسقطُ عنه الحدُّ، سواءٌ وقَعَ به الحَدُّ أو لم يَقعْ.

وقالَ بعضُ العِراقيِّينَ: يُقبَلُ رُجوعُه قبْلَ الشُّروعِ في حدِّه، ولا يُقبَلُ بعدَ الشُّروعِ فيه؛ استِدلالًا بقولِ النبيِّ : «مَنْ أتَى مِنْ هذهِ القاذُوراتِ شَيئًا فلْيَستتِرْ بستْرِ اللهِ، فإنه مَنْ يُبْدِ لنا صَفحتَه نُقِمْ حدَّ اللهِ عليهِ»، فدَلَّ على أنْ لا تأثيرَ للرُّجوعِ بعدَ إبداءِ الصَّفحةِ.

قالُوا: ولأنه حَقٌّ ثبَتَ بإقرارِه، فوجَبَ أنْ لا يَسقطَ برُجوعِه؛ قياسًا على حُقوقِ الآدميِّينَ.

ودَليلُنا: قولُ رَسولِ اللهِ : «ادرَؤُوا الحُدودُ بالشُّبهاتِ»، ورُجوعُه شُبهةٌ؛ لاحتِمالِ صِدقِه، ولأنَّ ماعِزًا لمَّا هرَبَ مِنْ حَرِّ الأحجارِ وتَبِعُوه حتَّى قتَلُوهُ قالَ رسولُ اللهِ : «هلَّا تَركْتُموهُ لعلَّه أنْ يَتوبَ فيَتوبَ اللهُ عليهِ»، فلو لم يَكنْ لرُجوعِه تأثيرٌ لم يندبْ إلى تَركِه بعدَ الأمرِ برَجمِه.

ورُويَ أنَّ رَجلًا أقَرَّ عندَ عُمرَ بنِ الخطَّابِ بالزِّنا ثمَّ رجَعَ عنه فتَركَه وقالَ: «لَأنْ أترُكَ حَدًّا بالشُّبهةِ أَولى مِنْ أنْ أُقِيمَ حدًّا بالشبهةِ»، ووافَقَ أبا بَكرٍ على مِثلِ هذا، وليسَ لهُمَا في الصَّحابةِ مُخالِفٌ فكانَ إجماعًا، ولأنه حدٌّ للهِ تعالَى ثبَتَ بقولِه، فَجازَ أنْ يَسقطَ برُجوعِه كالرِّدةِ، ولأنَّ ما ثبَتَ مِنْ حُدودِ اللهِ تعالَى بالقولِ يَجبُ أنْ يَسقطَ بالقولِ؛ قياسًا على رُجوعِ الشُّهودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>