للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تَعبَأْ بهم وهَوِّنْ عليكَ، فقالوا: ﴿قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١]، وبشَّروهُ بما جاؤُوا به مِنْ الوَعدِ له ولقَومِه مِنْ الوَعيدِ المُصيبِ، فقالُوا: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١]، فاستَبطأَ نَبيُّ اللهِ مَوعِدَ هَلاكِهم، وقالَ: أُريدُ أعجَلَ مِنْ هذا، فقالَتِ المَلائكةُ: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)[هود: ٨١]، فوَاللهِ ما كانَ بينَ هلاكِ أعداءِ اللهِ ونَجاةِ نبيِّه وأوليائِه إلا ما بينَ السَّحَرِ وطُلوعِ الفَجرِ، وإذا بدِيارِهم قد اقتُلِعتْ مِنْ أُصولِها ورُفِعتْ نحوَ السماءِ حتَّى سَمِعَتِ الملائكةُ نُباحَ الكِلابِ ونَهيقَ الحَميرِ، فبَرَزَ المَرسومُ الذي لا يُرَدُّ مِنْ عندِ الربِّ الجَليلِ إلى عبدِه ورَسولهِ جِبريلَ بأنْ يَقلبَها عليهِم، كما أخبَرَ به في مُحكَمِ التنزيلِ فقالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)[هود: ٨٢]، فجعَلَهم آيةً للعالَمينَ ومَوعظةً للمُتقينَ ونَكالًا وسلَفًا لمَن شارَكَهم في أعمالِهم مِنْ المُجرمينَ، وجعَلَ دِيارَهم بطَريقِ السالِكينَ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)[الحجر: ٧٥ - ٧٧]، أخذَهَم على غِرَّةٍ وهم نائِمونَ، وجاءَهُم بأسُه وهُم في سَكْرتِهم يَعْمَهونَ، فما أغنَى عنهم ما كانُوا يَكسبونَ، فانقَلبَتْ تلكَ اللذَّاتُ آلامًا فأصبَحوا بها يُعذَّبونَ.

مآرِبُ كانَتْ في الحَياةِ لأهلِها … عِذابًا فصارَتْ في المَمَاتِ عَذابًا

ذهبَتِ اللذَّاتُ وأعقَبَتِ الحسَراتِ، وانقَضَتِ الشهوةُ وأَورَثَتِ الشَّقوةَ، تَمتَّعوا قَليلًا وعُذِّبوا طَويلًا، رَتَعوا مَرتَعًا وَخيمًا فأعقَبَهم عَذابًا أليمًا، أسكَرَتْهم خَمرةُ تلكَ الشَّهوةِ فما استَفاقُوا منها إلا في دِيارِ المُعذَّبينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>