للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرقَدَتْهم تلكَ الغَفلةُ فما استَيقَظوا إلا وهُم في مَنازلِ الهالِكينَ، فنَدِموا واللهِ أشَدَّ النَّدامةِ حينَ لا يَنفعُ الندمُ، وبَكَوا على ما أسلَفوهُ بدَلَ الدُّموعِ بالدمِ.

فلو رأيتَ الأعلَى والأسفَلَ مِنْ هذهِ الطائفةِ والنارُ تَخرجُ مِنْ مَنافذِ وُجوهِهم وأبدانِهم، وهُم بينَ أطباقِ الجَحيمِ، وهُم يَشربونَ بدَلَ لَذيذِ الشَّرابِ كُؤوسَ الحَميمِ، ويقالُ لهُم وهم على وُجوهِهم يُسحَبونَ: ﴿ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤)[الزمر: ٢٤]، ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)[الطور: ١٦].

ولقدْ قرَّبَ اللهُ سُبحانَه مَسافةَ العَذابِ بينَ هذه الأمَّةِ وبينَ إخوانِهم في العَملِ، فقالَ مُخوِّفًا لهم أنْ يقَعَ الوَعيدُ: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)[هود: ٨٣].

فيَا ناكِحِي الذُّكْرانِ يَهْنِيكمُ البُشرَى … فيَومَ مَعادِ الناسِ إنَّ لكُم أَجْرا

كُلُوا واشرَبوا وازنُوا ولُوطُوا وأبشِرُوا … فإنَّكمُ زَفًّا إلى الجَنةِ الحَمْرا

فإخوانُكمِ قد مَهَّدُوا الدارَ قبْلَكُم … وقالُوا: إلَينا عَجِّلُوا لكُم البُشرَى

وها نَحنُ أسلافٌ لكُم في انتِظارُكم … سيَجمَعُنا الجبَّارُ في نارِه الكُبرى

ولا تَحْسَبوا أنَّ الذينَ نَكحْتُمُ … يَغِيبونَ عنكُم بل تَرونَهمُ جَهْرا

ويَلعنُ كلٌّ مِنكمُ لخَليلِهِ … ويَشقَى بهِ المَحزونُ في الكَرَّةِ الأُخرَى

يُعذَّبُ كلٌّ مِنهُمَا بشَريكِهِ … كما اشتَركَا في لَذِّةٍ تُوجِبُ الوِزْرا (١)، إلى آخِرِ كَلامِه .


(١) «الداء والدواء» ص (٣٩٢، ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>