ثمَّ زادَ في التأكيدِ بأنْ صرَّحَ بما تَشمئِزُّ منه القُلوبُ وتَنبُو عنه الأسماعُ وتَنفرُ منه أشَدَّ النَّفرةِ الطِّباعُ، وهو إتيانُ الرَّجلِ رَجلًا مِثلَه يَنكحُه كما يَنكحُ الأنثَى، فقالَ: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ [الأعراف: ٨١].
ثمَّ نبَّه على استِغنائِهم عن ذلكَ، وأنَّ الحامِلَ لهم عليه ليسَ إلا مُجرَّدَ الشهوةِ، لا الحاجةُ التي لأجْلِها مالَ الذَّكرُ إلى الأنثَى مِنْ قَضاءِ الوَطرِ ولَذةِ الاستِمتاعِ وحُصولِ المَودةِ والرَّحمةِ التي تَنسَى المرأةُ لها أبَوَيها وتَذكرُ بعْلَها، وحُصولِ النَّسلِ الذي هو حِفظُ هذا النوعِ الذي هو أشرَفُ المَخلوقاتِ، وتَحصينِ المَرأةِ وقَضاءِ وَطرِها، وحُصولِ عَلاقةِ المُصاهَرةِ التي هي أختُ النَّسبِ، وقِيامِ الرِّجالِ على النساءِ، وخُروجِ أحَبِّ الخَلقِ إلى اللهِ مِنْ جِماعِهنَّ كالأنبياءِ والأولياءِ والصالِحينَ، ومُكاثَرةِ النبيِّ ﷺ الأنبياءَ بأمَّتِه، إلى غيرِ ذلكَ مِنْ مَصالحِ النكاحِ، والمَفسدةُ التي في اللِّواطِ تُقاوِمُ ذلكَ كلَّه وتُرْبِي عليه بما لا يُمكِنُ حَصرُ فَسادِه ولا يَعلمُ تَفصيلَه إلا اللهُ.
ثمَّ أكَّدَ قُبحَ ذلكَ بأنَّ اللُّوطيةَ عكَسُوا فِطرةَ اللهِ التي فطَرَ عليها الرِّجالَ، وقَلَبوا الطَّبيعةَ التي ركَّبَها اللهُ في الذُّكورِ، وهي شَهوةُ النساءِ دونَ شَهوةِ الذُّكورِ، فقَلَبوا الأمرَ وعَكَسوا الفِطرةَ والطَّبيعةَ، فأَتوُا الرِّجالَ شَهوةً مِنْ دُونِ النساءِ، ولهذا قلَبَ اللهُ سُبحانَه عليهِم دِيارَهم، فجعَلَ عالِيَها سافِلَها، وكذلكَ قُلِبوا هُمْ ونُكِّسوا في العَذابِ على رُؤوسِهم.
ثمَّ أكَّدَ سُبحانَه قُبحَ ذلك بأنْ حكَمَ عليهم بالإسرافِ، وهو مُجاوَزةُ الحَدِّ، فقالَ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾ [الأعراف: ٨١]، فتَأمَّلْ هل جاءَ ذلكَ أو