للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحمدٍ »، وأجازَه ابنُ المُسيبِ لأنه رآهُ نَوعًا مِنْ العِلاجِ، فيُخصصُ بذلكَ في قولِه: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢] ذكَرَه البخاريُّ، وأما ما حكاهُ فيها مِنْ قَولِ ابنِ الغرسِ وانظرْ هل يَجوزُ السحرُ في الإصلاحِ بينَ نَفسَينِ كالمرأةِ تَبغي إصلاحَ زَوجِها واستِئلافَه؟ وعلى القولِ بأنَّ السحرَ كُفرٌ فإنما يُرادُ ما شَهدَ الشرعُ له بأنه كفرٌ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ حَجرٍ : وقد أجازَ بَعضُ العُلماءِ تَعلُّمَ السحرَ لأحدِ أمرَينِ: إما لتَمييزِ ما فيه كُفرٌ مِنْ غيرِه، وإما لأزالتِه عمَّن وقَعَ فيه.

فأما الأولُ: فلا مَحذورَ فيه إلا مِنْ جِهةِ الاعتقادِ، فإذا سَلِمَ الاعتقادُ فمَعرفةُ الشيءِ بمُجرَّدِه لا تَستلزمُ منعًا، كمَن يَعرفُ كَيفيةَ عبادةِ أهلِ الأوثانِ للأوثانِ؛ لأنَّ كَيفيةَ ما يَعملُه الساحرُ إنما هيَ حكايةُ قَولٍ أو فعلٍ، بخِلافِ تَعاطيهِ والعَملِ به.

وأما الثاني: فإنْ كانَ لا يَتمُّ كما زعَمَ بعضُهم إلا بنوعٍ مِنْ أنواعِ الكفرِ أو الفِسقِ فلا يَحِلُّ أصلًا، وإلا جازَ؛ للمعنَى المَذكورِ (٢).

وقالَ في مَوضعٍ آخرَ: قولُه -أي البُخاريِّ-: «باب: هل يُستخرجُ السِّحرُ؟» كذا أورَدَ التَّرجمةَ بالاستِفهامِ؛ إشارةً إلى الاختِلافِ، وصدَّرَ بما نقَلَه عن سَعيدِ بنِ المُسيبِ مِنْ الجَوازِ؛ إشارةً إلى تَرجيحِه.


(١) «الفروق» (٤/ ٢٩٥).
(٢) «فتح الباري» (١٠/ ٢٢٤، ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>