للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ له: يَفتَرِقانِ مِنْ جِهةِ أنَّ الخَنَّاقَ والمُحارِبَ لم يَكفرَا قبلَ القتلِ ولا بعدَه، فلمْ يَستحِقَّا القتلَ؛ إذْ لم يَتقدَّمْ منهُما سَببٌ يَستحِقَّانِ به القتلَ، وأما الساحِرُ فقدْ كفَرَ بسِحرِه، قتَلَ به أو لم يَقتلْ، فاستَحقَّ القتلَ بكُفرِه، ثُمَّ لمَّا كانَ مع كُفرِه ساعيًا في الأرضِ بالفَسادِ كانَ وُجوبُ قَتلِه حَدًّا، فلمْ يَسقطْ بالتَّوبةِ كالمُحارِبِ إذا استَحقَّ القتلَ لم يَسقطْ ذلكَ عنه بالتوبةِ، فهو مُشبِهٌ للمُحارِبِ الذي قتَلَ في أنَّ قتْلَه حَدٌّ لا تُزيلُه عنه التوبةُ، ويُفارِقُ المُرتدَّ مِنْ جِهةِ أنَّ المُرتدَّ يَستحقُّ القتلَ بإقامتِه على الكفرِ فحَسب، فمتَى انتَقلَ عنه زالَ عنه الكفرُ والقَتلُ، ولِمَا وصَفْنا مِنْ ذلكَ لم يُفرِّقوا بينَ الساحِرِ مِنْ أهلِ الذمةِ ومِن المُسلمينِ، كما لا يَختلفُ حُكمُ المُحارِبِ مِنْ أهلِ الذمةِ والإسلامِ فيما يَستحقُّونَه بالمُحارَبةِ، ولذلكَ لم تُقتَلِ المرأةُ الساحِرةُ؛ لأنَّ المَرأةَ مِنْ المُحارِبينَ عندَهم لا تُقتلُ حَدًّا، وإنما تُقتلُ قَودًا.

ووَجهٌ آخَرُ لقولِ أبي حَنيفةَ في تَركِ استِتابةِ الساحرِ، وهو ما ذكَرَه الطَّحاويُّ قالَ: حدَّثَنا سُليمانُ بنُ شُعيبٍ عن أبيه عن أبي يُوسفَ في نَوادرَ ذكَرَها عنه أدخَلَها في أماليهِ عليهِم قالَ: قالَ أبو حَنيفةَ: اقتُلوا الزِّنديقَ سِرًّا؛ فإنَّ تَوبتَه لا تُعرَفُ، ولم يَحْكِ أبو يُوسفَ خِلافَه، ويَصحُّ بِناءُ مَسألةِ الساحرِ عليه؛ لأنَّ الساحرَ يَكفرُ سِرًّا، فهو بمَنزلةِ الزِّنديقِ، فالواجِبُ أنْ لا تُقبَلَ توبتُه.

فإنْ قيلَ: فعَلى هذا يَنبغي أنْ لا يُقتلَ الساحرُ مِنْ أهلِ الذِّمةِ؛ لأنَّ كفْرَه ظاهرٌ، وهو غيرُ مُستحِقٍّ للقتلِ لأجْلِ الكفرِ.

قيلَ له: الكفرُ الذي أقرَرْناهُ عليهِ هو ما أظهَرَه لنا، وأما الكفرُ الذي صارَ إليه بسِحرِه فإنه غيرُ مَقَرٍّ عليهِ ولم نُعطِه الذمَّةَ على إقرارِه عليه، ألَا ترَى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>