للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو سَألَنا إقرارَه على السِّحرِ بالجِزيةِ لم نُجبْه إليهِ ولم نُجِزْ إقرارَه عليهِ، ولا فرْقَ بينَه وبينَ الساحِرِ مِنْ أهلِ الملِّةِ، وأيضًا فلو أنَّ الذِّميَّ الساحِرَ لم يَستحقَّ القَتلَ بكُفرِه لَاستَحقَّه بسَعيِه في الأرضِ بالفسادِ كالمُحارِبينَ على النحوِ الذي ذكَرْنا، وقَولُهم في تَركِ قَبولِ تَوبةِ الزِّنديقِ يُوجِبُ أنْ لا يُستتابَ الإسماعِيليةُ وسائِرُ المُلحِدينَ الذين قد عُلِمَ منهم اعتِقادُ الكُفرِ كسائرِ الزَّنادقةِ وأنْ يُقتَلوا مع إظهارِهِم التوبةَ.

ويَدلُّ على وُجوبِ قَتلِ الساحِرِ ما حَدَّثنا به ابنُ قانعٍ حَدَّثنا بِشرُ بنُ مُوسَى قالَ: حَدَّثنا ابنُ الأصبَهانِيِّ قالَ: حَدَّثنا أبو مُعاوَيةَ عن إسماعيلَ ابنِ مُسلمٍ عن الحَسنِ عن جُندبٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «حَدُّ الساحِرِ ضَربُهُ بالسَّيفِ» (١)، وقِصةُ جُندبٍ في قَتلِه الساحِرَ بالكُوفةِ عندَ الوليدِ ابنِ عُقبةَ مَشهورةٌ، وقولُه : «حَدُّ الساحِرِ ضَربُه بالسيفِ» قد دَلَّ على مَعنيَينِ:

أحَدُهما: وُجوبُ قَتلِه، والثاني: أنه حَدٌّ لا يُزيلُه التوبةُ كسائِرِ الحُدودِ إذا وجَبَتْ، ولِمَا ذكَرْنا مِنْ قتلِه على وجهِ قتلِ المُحارِبِ (٢).

وقالَ المالِكيةُ: الساحِرُ كافِرٌ باللهِ تعالَى، قالَ تعالَى على لسانِ المَلَكينِ: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: ١٠٢]، فإذا تَعلَّمَ السحرَ أو علَّمَه وإنْ لم يَعمَلْ به فهو كافِرٌ؛ إذْ تَعظيمُ الشيَاطينِ ونِسبةُ الكائِناتِ إليها لا يَستطيعُ


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه الترمذي (١٤٦٠).
(٢) «أحكام القرآن» (١/ ٦١، ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>