للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا شَهِدوا أنها ساحِرةٌ أو أقَرَّتْ بذلكَ لم تُقتلْ وحُبِستْ حتى يُعلَمَ منها تَركُ ذلك كلِّه.

وهذا كلُّه قَولُ أبي حَنيفةَ، قالَ ابنُ شُجاعٍ: فحكَمَ في الساحِرِ والساحِرةِ حُكمَ المُرتدِّ والمُرتدةِ، إلا أنْ يَجيءَ فيُقِرَّ بالسِّحرِ أو يُشهَدَ عليه بذلكَ أنه عَمِلَه، فإنه جعَلَ ذلكَ بمَنزلةِ الثَّباتِ على الرِّدةِ، وحكَى مُحمدُ بنُ شُجاعٍ عن أبي عليٍّ الرازيِّ قالَ: سألتُ أبا يُوسفَ عن قَولِ أبي حَنيفةَ في الساحِرِ «يُقتَلُ ولا يُستتابُ» لِمَ لمْ يَكنْ ذلكَ بمَنزلةِ المَرتدِّ؟ فقالَ: الساحرُ قد جمَعَ مع كُفرِه السعيَ في الأرضِ بالفَسادِ، والساعي بالفَسادِ إذا قتَلَ قُتلَ، قالَ: فقلتُ لأبي يُوسفَ: ما الساحِرُ؟ قالَ: الذي يقتصُّ له مِنْ العَملِ مثلَ ما فعَلَتِ اليَهودُ بالنبيُّ وبما جاءَتْ به الأخبارُ إذا أصابَ به قَتلًا، فإذا لم يُصِبْ به قَتلًا لم يُقتلْ؛ لأنَّ لَبيدَ بنَ الأعصَمِ سحَرَ رسولَ اللهِ فلمْ يَقتلُه؛ إذْ كانَ لم يُصِبْ به قَتلًا، قالَ أبو بَكرٍ: ليسَ فيما ذكَرَ بَيانُ معنَى السِّحرِ الذي يَستحقُّ فاعِلُه القتلَ، ولا يَجوزُ أنْ يُظَنَّ بأبي يُوسفَ أنه اعتَقدَ في السِّحرِ ما يَعتقدُه الحَشوُ مِنْ إيصالِهم الضَّررَ إلى المَسحورِ مِنْ غيرِ مُماسَّةٍ ولا سَقيِ دواءٍ، وجائزٌ أنْ يكونَ سِحرُ اليهودِ للنبيِّ على جِهةِ إرادتِهم التوصُّلَ إلى قَتلِه بإطعامِه، وأطلَعَه اللهُ على ما أرادُوا، كما سَمَّتْه زَينبُ اليَهوديةُ في الشاةِ المَسمومةِ فأخبَرَتْه الشاةُ بذلكَ فقالَ: «إنَّ هذهِ الشاةَ لَتُخبِرُني أنها مَسمومةٌ»

فإنْ قالَ قائلٌ: فأنتَ لا تَقتلُ الخُنَّاقَ والمُحارِبينَ إلا إذا قَتَلوا، فهَلَّا قلتَ مِثلَه في الساحِرِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>