وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وذكَرَ القاضِي أنه يُقتصُّ منه باللَّطمةِ، فيَلطمُه المَجنيُّ عليهِ مثلَ لَطمتِه، فإنْ ذهَبَ ضوءُ عَينِه وإلا كانَ له أنْ يُذهبَه بما ذكَرْنا، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ، وهذا لا يَصحُّ؛ فإنَّ اللطمةَ لا يُقتصُّ منها مُنفردةً، فلا يُقتصُّ منها إذا سَرَتْ إلى العينِ كالشَّجةِ إنْ كانَت دُونَ المُوضحةِ، ولأنَّ اللَّطمةَ إذا لم تَكنْ في العَينِ لا يُقتصُّ منها بمِثلِها مع الأمنِ مِنْ إفسادِ العُضوِ في العينِ، فمَع خوفِ ذلكَ أَولى، ولأنه قِصاصٌ فيما دُونَ النفسِ، فلَم يَجُزْ بغيرِ الآلة المُعدَّةِ كالمُوضحةِ.
وقالَ القاضي: لا يَجبُ القِصاصُ إلا أنْ تَكونَ اللَّطمةُ تَذهبُ بذلكَ غالبًا، فإنْ كانَت لا تَذهبُ به غالبًا فذهَبَ فهو شِبهُ عَمدٍ لا قِصاصَ فيه، وهو قَولُ الشافِعيِّ؛ لأنه فعلٌ لا يُفضي إلى الفَواتِ غالبًا، فلَم يَجبْ به القِصاصُ كشِبهِ العَمدِ في النفسِ.
وقالَ أبو بَكرٍ: يَجبُ القِصاصُ بكلِّ حالٍ؛ لعُمومِ قولِه: ﴿والعين بالعين﴾ [المائدة: ٤٥]، ولأنَّ اللَّطمةَ إذا أسَالَتْ إنسانَ العَينِ كانَتْ بمَنزلةِ الجُرحِ، ولا يُعتبَرُ في الجُرحِ الإفضاءُ إلى التلفِ غالبًا.
فَصلٌ: فلو لطَمَ عيْنَه فذهَبَ بَصرُها وابيَضَّتْ وشخَصَتْ فإنْ أمكَنَ مُعالَجةُ عينِ الجاني حتَّى يَذهبَ بَصرُها وتَبيضَّ وتَشخصَ مِنْ غيرِ جِنايةٍ على الحَدقةِ فعلَ ذلكَ، وإنْ لم يُمكنْ إلا ذَهابُ بعضِ ذلكَ مثلَ أنْ يَذهبَ البَصرُ دونَ أنْ تَبيضَّ وتشخَصَ فعليهِ حُكومةٌ للذي لم يُمكنِ القِصاصُ فيه، كما لو جرَحَ هاشِمةً فإنه يَقتصُّ مُوضِحةً ويأخذُ أرشَ باقي جُرحِه، وعلى قولِ أبي بَكرٍ لا يُستحقُّ مع القِصاصِ أرشٌ.